هل نقول وداعاً للشاحن اليومي قريباً؟ مستخدمو الهواتف الذكية على موعد مع طفرة تكنولوجية قد تحررهم من قيود عمر البطارية المحدود. تقنية بطاريات الحالة الصلبة، التي طال انتظارها، تعد بإحداث تحول جذري في كيفية تخزين الطاقة واستخدامها في أجهزتنا المحمولة، مما يبشر بعصر جديد من الهواتف التي تدوم لأيام بشحنة واحدة وبأمان معزز. فما هي الإمكانيات الحقيقية لهذه البطاريات، وما الأرقام التي تدعم هذه التوقعات، والأهم، متى يمكن أن نشهد أول هاتف ذكي يعتمد على هذه التقنية الواعدة؟
تعتمد بطاريات الليثيوم أيون السائدة حالياً في أكثر من 70% من سوق الإلكترونيات المحمولة، بما في ذلك جميع الهواتف الذكية تقريباً، على سائل إلكتروليتي عضوي لنقل أيونات الليثيوم بين القطب الموجب (الكاثود) والقطب السالب (الأنود) أثناء عمليتي الشحن والتفريغ. هذا السائل، رغم فعاليته، قابل للاشتعال ويفرض قيوداً على كثافة الطاقة وعمر البطارية. أما بطاريات الحالة الصلبة، فتستبدل هذا السائل بمادة إلكتروليت صلبة، سواء كانت من السيراميك، أو البوليمر، أو الزجاج. هذا التغيير البنيوي هو مفتاح المزايا الهائلة التي تقدمها.
أرقام تتحدث عن نفسها: قفزة في الأداء والعمر الافتراضي
يكمن جوهر الثورة التي تعد بها بطاريات الحالة الصلبة في قدرتها على تحقيق كثافة طاقة أعلى بكثير. فبينما تتراوح كثافة الطاقة في بطاريات الليثيوم أيون الحالية بين 150-250 واط-ساعة/كجم (Wh/kg)، تشير الأبحاث والتطويرات الأولية إلى أن بطاريات الحالة الصلبة يمكن أن تتجاوز 400-500 Wh/kg، مع إمكانية نظرية للوصول إلى أرقام أعلى بكثير في المستقبل. على سبيل المثال، أعلنت شركة “تي دي كاي” (TDK) مؤخراً عن تطوير مادة لبطاريات الحالة الصلبة الصغيرة بكثافة طاقة تصل إلى 1000 Wh/kg، أي حوالي 100 مرة أكثر من بطارياتها التقليدية السابقة المخصصة للأجهزة الصغيرة. هذا يعني أنه يمكن للهاتف الذكي المستقبلي إما أن يحتوي على بطارية بنفس الحجم الحالي ولكنها تدوم مرتين إلى ثلاث مرات أطول، أو أن تكون البطارية أصغر حجماً وأنحف بشكل ملحوظ مع الحفاظ على عمر البطارية الحالي، مما يفسح المجال لتصاميم هواتف أكثر رشاقة أو لإضافة مكونات أخرى.
علاوة على ذلك، يُتوقع أن يكون العمر الافتراضي لبطاريات الحالة الصلبة أطول بكثير. يمكن لبطاريات الليثيوم أيون النموذجية أن تتحمل ما بين 500 إلى 1000 دورة شحن كاملة قبل أن تبدأ كفاءتها في الانخفاض بشكل ملحوظ (عادةً إلى أقل من 80% من سعتها الأصلية). في المقابل، تشير النماذج الأولية لبطاريات الحالة الصلبة إلى قدرتها على تحمل أكثر من 1000 دورة شحن، وبعض الأبحاث تهدف إلى تجاوز 5000 دورة شحن، بل إن بعض الشركات مثل “كاتاليتك كيمستري” (Catalytic Chemistry) التابعة لجامعة طوكيو أعلنت عن تطوير بطارية حالة صلبة يمكنها الاحتفاظ بأكثر من 80% من سعتها بعد 30,000 دورة شحن وتفريغ. هذا يعني أن بطارية الهاتف قد تدوم فعلياً طوال العمر الافتراضي للجهاز نفسه، وربما تتجاوزه.
الأمان والشحن الفائق السرعة: تغيير قواعد اللعبة
يُعد الأمان المعزز أحد أهم نقاط القوة لبطاريات الحالة الصلبة. فاستبدال الإلكتروليت السائل القابل للاشتعال بآخر صلب يقلل بشكل كبير من مخاطر التسرب، والانتفاخ، وارتفاع درجة الحرارة المفرط، وبالتالي يحد من احتمالية حدوث حرائق أو انفجارات، وهي مشكلة وإن كانت نادرة، إلا أنها شكلت مصدر قلق في بعض بطاريات الليثيوم أيون. هذا الاستقرار المتأصل قد يلغي الحاجة إلى بعض دوائر الحماية المعقدة الموجودة في البطاريات الحالية، مما يوفر مساحة وتكلفة.
وفيما يتعلق بسرعة الشحن، فإن الطبيعة الصلبة للإلكتروليت يمكن أن تسمح بمعدلات شحن أسرع بكثير. حيث أن أحد العوائق أمام الشحن السريع في بطاريات الليثيوم أيون هو تكون تفرعات الليثيوم (dendrites) على الأنود، والتي يمكن أن تخترق الفاصل وتسبب قصر الدائرة. يُعتقد أن الإلكتروليتات الصلبة أكثر مقاومة لتكون هذه التفرعات. تشير بعض التوقعات إلى إمكانية شحن بطاريات الحالة الصلبة بنسبة 80% في غضون 10-15 دقيقة فقط، مقارنة بـ 30 دقيقة أو أكثر للعديد من تقنيات الشحن السريع الحالية، وذلك دون التضحية الكبيرة بصحة البطارية على المدى الطويل.
تحديات الطريق نحو التبني الشامل
على الرغم من هذه المزايا المذهلة، فإن الطريق نحو دمج بطاريات الحالة الصلبة في ملايين الهواتف الذكية سنوياً لا يخلو من العقبات. تكلفة التصنيع المرتفعة هي التحدي الأبرز حالياً. فالمواد الخام المستخدمة في بعض أنواع الإلكتروليتات الصلبة (مثل السيراميك المحتوي على الليثيوم واللانثانم والزركونيوم والأكسجين – LLZO) قد تكون باهظة الثمن، كما أن عمليات التصنيع نفسها تتطلب دقة وتقنيات متقدمة، مثل الترسيب أو التلبيد عند درجات حرارة عالية، مما يرفع التكلفة الأولية.
كما أن توسيع نطاق الإنتاج الضخم مع الحفاظ على الجودة والأداء المتسق يمثل تحديًا هندسيًا معقدًا. ضمان التلامس المثالي والمستقر بين الإلكتروليت الصلب والأقطاب الكهربائية على المستوى المجهري أمر بالغ الأهمية لتحقيق أداء عالٍ، وهو أصعب في المواد الصلبة مقارنة بالسوائل التي تتغلغل بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحسين الموصلية الأيونية لبعض الإلكتروليتات الصلبة في درجات حرارة منخفضة، وضمان الاستقرار الكيميائي والميكانيكي طويل الأمد للواجهات بين المكونات المختلفة داخل البطارية.
الجدول الزمني المتوقع: متى نرى هذه الثورة في جيوبنا؟
لا يزال تحديد موعد دقيق لوصول أول هاتف ذكي ببطارية حالة صلبة إلى الأسواق أمراً صعباً، لكن المؤشرات تتزايد. شركات عملاقة مثل سامسونج، وتويوتا (التي تستهدف السيارات الكهربائية بشكل أساسي ولكن تقنياتها قد تنتقل)، وباناسونيك، وإل جي كيميكال، وكاتل (CATL)، بالإضافة إلى العديد من الشركات الناشئة الطموحة مثل QuantumScape وSolid Power، تستثمر مليارات الدولارات في هذا المجال.
أعلنت سامسونج عن تطوير نموذج أولي لبطارية حالة صلبة يمكن أن يتيح للسيارات الكهربائية مدى يصل إلى 800 كيلومتر بشحنة واحدة والقدرة على تحمل أكثر من 1000 دورة شحن. بينما تركز الشركة أيضاً على تطبيقات أصغر حجماً. من جهتها، عرضت شركة Honor الصينية مؤخراً نموذجاً أولياً لبطارية بحالة شبه صلبة تعتمد على السيليكون والكربون، والتي أظهرت زيادة في كثافة الطاقة بنسبة 12.8% مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون التقليدية بنفس الحجم.
يتوقع معظم المحللين أن نرى تطبيقات أولية لبطاريات الحالة الصلبة في الأجهزة الإلكترونية الصغيرة القابلة للارتداء أو الأجهزة الطبية خلال السنوات القليلة القادمة، نظراً لمتطلبات الطاقة الأقل وسهولة دمج البطاريات الأصغر حجماً. أما بالنسبة للهواتف الذكية، فإن التوقعات تشير إلى أن الظهور التجاري واسع النطاق قد لا يحدث قبل عام 2027-2030. ومع ذلك، من الممكن جداً أن تقوم بعض الشركات الرائدة بإطلاق نماذج محدودة أو هواتف رائدة (Flagship) مزودة بهذه التقنية بحلول عام 2025 أو 2026 كخطوة استعراضية وريادية، خاصة إذا تم التغلب على بعض التحديات المتعلقة بالتكلفة والإنتاج.
في نهاية المطاف، تعد بطاريات الحالة الصلبة أكثر من مجرد تحسين تدريجي؛ إنها تمثل قفزة تكنولوجية حقيقية لديها القدرة على إعادة تعريف مفهوم عمر البطارية وأمان الأجهزة المحمولة. ورغم أن الطريق لا يزال يتطلب المزيد من الجهد والابتكار، فإن الاستثمارات الضخمة والتقدم المتسارع في الأبحاث يبشران بأن مستقبل الهواتف الذكية سيكون، بكل تأكيد، أطول عمراً وأكثر أماناً.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!