سولارابيك – بكين، الصين- 3 أغسطس 2024: بنت الصين، مزارع طاقة شمسية في العام الماضي، أكثر مما بنته الولايات المتحدة في تاريخها. والآن تشعر بالقلق من أنها ربما ذهبت بعيدًا في بعض الأماكن؛ بحيث تتعدى المزارع الشمسية على الأراضي الزراعية؛ مما يقوض هدف الزعيم شي جين بيغ؛ في ضمان قدرة الصين على الاكتفاء الذاتي غذائيا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبدعم من الطلب المتزايد على الطاقة المتجددة، أصبحت مشروعات الطاقة الشمسية مربحة بما يكفي- وخاصة عندما يتم تضمين إعانات الدولة- لدرجة أن بعض الشركات، والمسؤولين المحليين، والمزارعين يحاولون الاستفادة من ذلك، من خلال إعادة استخدام المناطق المخصصة للزراعة، في تحدٍ لضوابط بكين.
وحظيت القضية باهتمام وطني، بعد أن بثَّ التلفزيون الصيني (CCTV) تقريراً عن الموضوع في وقت سابق من العام الجاري، وفي بلدة موزي الريفية في مقاطعة هوبي، وهي منطقة رئيسية لإنتاج الحبوب، وجد التقرير أن عدة مئات من الفدانات التي كانت مخصصة ذات يوم كـ”أراضٍ زراعية عالية الجودة” تم تغطيتها بألواح شمسية كهروضوئية، رغم أن السلطات المحلية أعلنت في عام 2019 عن خطط لبناء قنوات الري والصرف والطرق هناك لتعزيز غلة المحاصيل، وتحسين الربط.
وبينما يستحق قطاع الطاقة الشمسية الدعم، حذَّر تلفزيون الصين من أنه “بغض النظر عن مدى جودة الصناعة، فإنه لا ينبغي لها أن تنتهك قوانين الدولة وتتعارض مع سياسات الحكومة المركزية، واعتبر أن حماية الأراضي الزراعية مسألة رئيسية تتعلق باستراتيجية الأمن القومي”.
وسلَّطت هذه القضية، وغيرها من الحالات المماثلة، الضوء على كيفية تضارب أولويات الرئيس شي في بعض الأحيان على أرض الواقع، ويعد الأمن الغذائي أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للقادة الصينيين، نظراً لإمدادات المياه المحدودة في البلاد والأراضي الصالحة للزراعة، وقد هددت حالات نقص الغذاء السابقة بما في ذلك المجاعة الكبرى في الفترة 1959-1961 الاستقرار.
ويثير تغير المناخ مخاوف من تهديدات جديدة للزراعة، مع تأثير الجفاف على أجزاء من البلاد هذا العام. ورغم بعض الزيادات في إنتاج الغذاء في السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تكن كافية لمواكبة الطلب المتزايد.
وقال شي إن المسؤولين يجب أن “يدافعوا بحزم عن الخط الأحمر للأراضي الصالحة للزراعة في الصين”، والذي يبلغ حوالي 300 مليون فدان على مستوى البلاد لضمان عدم اعتماد البلاد بشكل أكبر على الواردات، بما في ذلك فول الصويا من الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
ووفقًا لوسائل الإعلام الرسمية، فقد تسارع معدل اختفاء الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التوسع الحضري، والتعدي غير القانوني، وعوامل أخرى في العقود الأخيرة.
وأظهرت أحدث دراسة استقصائية، أجرتها الحكومة، أن الصين فقدت أكثر من 18 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة في السنوات العشر حتى نهاية عام 2019، مما أدى إلى انخفاض الإجمالي إلى حوالي 316 مليون فدان.
وقال شي في عام 2020: “منذ عام 2013، قلت إننا يجب أن نحمي الأراضي الزراعية كما نحمي الباندا العملاقة”، ولكنه دعا أيضاً المسؤولين المحليين إلى تعزيز الطاقة المتجددة، كجزء من أهداف الصين المتمثلة في خفض انبعاثات الكربون، والحد من اعتمادها على النفط والفحم المستوردين.
ويشمل الدعم الحكومي الإعانات، والقروض الرخيصة، والحوافز الضريبية لشركات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح التي تتراوح من الشركات الناشئة الصغيرة، إلى الشركات الكبرى، والمؤسسات الحكومية.
وفي حين لا توجد بيانات رسمية عن حجم الأراضي الزراعية التي تبتلعها مزارع الطاقة الشمسية، تتبعت بيانات الحكومة إضافة ما يقرب من 217 مليون كيلووات من القدرة الشمسية الجديدة العام الماضي، بزيادة 55% عن عام 2022.
وكانت الصين مسؤولة عن أكثر من نصف الزيادة العالمية في الطاقة الشمسية في عام 2023، وفقاً لشركة أبحاث الطاقة Wood Mackenzie.
ويقدر المحللون أن الصين ستحتاج إلى توسيع قدرتها على توليد الطاقة الشمسية بنحو 14 مرة من مستويات عام 2020، لتحقيق هدف شي المتمثل في الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
كما شهدت دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، احتلال مزارع الطاقة الشمسية للأراضي الزراعية، وهي مشكلة تعود إلى سنوات.
وقدَّرت دراسة حديثة، أجراها باحثون صينيون، أنه في عام 2018، وصلت خسائر إنتاج الغذاء، الناتجة عن تطوير مرافق الطاقة الشمسية على الأراضي الزراعية على مستوى العالم، إلى كمية كافية لإطعام 4.3 مليون شخص لمدة عام، مع إرجاع ثلث هذه الخسائر إلى زيادة الطاقة الشمسية في الصين.
وفي تعليق نشرته مجلة “Nature Geoscience” في نوفمبر، حذَّرت مجموعة أخرى من الباحثين من أنه “مع توسع الطاقة الشمسية، فإن فقدان الأراضي الزراعية سوف يصبح قضية ملحة تتطلب اهتماماً عاجلاً. ويتعين على البلدان التي تكافح من أجل تطوير الطاقة المتجددة، وتواجه اختلالات في التنمية المكانية، كما هي الحال في الصين، أن تضع في اعتبارها الصراعات المحتملة بين الطاقة والأرض”.
وبينما يواجه مطورو الطاقة الشمسية صراعات أقل مع الزراعة في غرب الصين، حيث توجد مساحات مفتوحة أكثر، ليست مثالية للزراعة بسبب انخفاض هطول الأمطار، فإن توسعهم عبر شرق الصين يضعهم بشكل مباشر في منافسة مع الزراعة.
وقال كوزيمو ريس، محلل الطاقة المتجددة في شركة الاستشارات تريفيوم تشاينا: “هناك الكثير من المال الذي يمكن جنيه من مصادر الطاقة المتجددة، في حين أن الزراعة عمل منخفض القيمة والربح”.
وحاول المسؤولون تحقيق التوازن بين المطالب المتنافسة، من خلال الترويج لـ “نونجوانج هوبو”، أو “الزراعة والطاقة الشمسية المكملتان لبعضهما البعض”. تتضمن الفكرة تشجيع المرافق “الزراعية الكهروضوئية” حيث يتم تركيب الألواح الشمسية بطرق تسمح باستخدام الأرض للزراعة أو الرعي.
وبحسب إحدى الأوراق الأكاديمية الصينية، شكلت مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية مزدوجة الغرض المتصلة بالشبكة حوالي 7% من القدرة الكهروضوئية في الصين اعتباراً من عام 2019.
كما انتشرت الفكرة في أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك كاليفورنيا. لكن الخبراء يقولون إن وجود الألواح الشمسية يحد مما يمكن زراعته، حيث تميل المحاصيل مثل الخس والبروكلي إلى أن تكون أفضل من الحبوب التي تتطلب الكثير من ضوء الشمس.
وفي الممارسة العملية، يقول الخبراء إن بعض مطوري مزارع الطاقة الشمسية في الصين يفشلون في تخصيص الكثير من الاهتمام للمحاصيل، وغالباً ما تغض الحكومات المحلية، التي تعاني من ديون ثقيلة وسط انهيار العقارات على مستوى البلاد، الطرف عن هذا طالما أن مطوري الطاقة الشمسية يجلبون الاستثمارات وعائدات الضرائب والوظائف.
وقال تشو تشي تشن، أستاذ في جامعة الزراعة الصينية، لإحدى وسائل الإعلام الحكومية إنهم “يبيعون ويؤجرون الأراضي بشغف مقابل فوائد فورية، ومؤقتة”.
وبينما لا تزال بكين تقدم إعانات لمشروعات الطاقة الشمسية، فقد عاقبت الشركات، والمسؤولين الذين تعتقد أنهم يستغلون الدعم الحكومي على حساب الزراعة.
وفي العام الماضي، أصدرت بكين توجيهاً ينص على أنه لا ينبغي بناء مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية على الأراضي الزراعية، أو المراعي، أو الأراضي الحرجية المحمية، مما دفع ما لا يقل عن 10 حكومات إقليمية إلى نشر قواعد جديدة، أو محدثة بشأن استخدام الأراضي المخصصة للطاقة الشمسية.
وجاء التوجيه في أعقاب تحركات في عام 2021 أوقفت فيها عدة مقاطعات مشروعات الطاقة الشمسية الجديدة في انتظار المراجعات؛ لتقييم ما إذا كانت قد تعدت بشكل غير لائق على الأراضي الصالحة للزراعة.
في أكتوبر، وبَّخت وزارة الموارد الطبيعية الصينية السلطات في مقاطعة هوانجلونج الشمالية لفشلها في منع شركة للطاقة المتجددة من تركيب الألواح الشمسية بشكل غير قانوني على الأراضي الزراعية، وفي يناير، أمرت السلطات في مقاطعة قويتشو الجنوبية شركة محلية بدفع غرامات، تبلغ قيمتها ما يساوي نحو 100 ألف دولار، بسبب بناء منشأة للطاقة الشمسية، بشكل غير قانوني، على الأراضي الزراعية المشتركة.
وفي حالة هوبي، بثَّ التلفزيون الصيني لقطات جوية تُظهر مجموعة مترامية الأطراف من الألواح الشمسية تشغل أفدنة من الأراضي في بلدة موزي التي يقول السكان إنها كانت تستخدم سابقًا لزراعة الأرز.
وقال سكان إنهم أُقنعوا بتأجير الأرض لشركة مزرعة للطاقة الشمسية مسجلة في هونج كونج لمشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية، لكن مشغل المنشأة لم يبذل سوى جهود قليلة لزراعة الأرز – الذي لا يصلح للنمو تحت الظل – وأنتج غلة أقل بكثير من ذي قبل.
وقال مزارعون محليون إن العائد الزراعي في المنطقة انخفض بنحو 80%، وعندما تحدث التلفزيون الصيني إلى عامل في منشأة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، قال إنه لا توجد أراض زراعية محمية في المنطقة، وهو ادعاء يتناقض مع السكان المحليين واللافتات التي تنص على أن المنطقة تم تصنيفها على أنها أرض زراعية “عالية الجودة” مخصصة للزراعة.
ولم تستجب شركة الطاقة الشمسية على الفور لطلب التعليق.
ولفت تقرير التلفزيون الصيني إلى مشكلات مماثلة في أماكن أخرى في هوبي، بما في ذلك بلدة هواشي، حيث تم تركيب حقول كبيرة من الألواح الشمسية على الأراضي الزراعية، وقال مسؤول محلي في موارد الأراضي إن السلطات أعادت تصنيفها كأرضٍ عادية، وعوَّضت عن ذلك بتخصيص قطع أخرى لإنتاج الغذاء.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية..
المصدر: Wall Street Journal