سولارابيك – بغداد، العراق – 5 أكتوبر 2024: يواجه العراق تحديًا مُركّبًا يهدد مُستقبله التنموي، يتمثل في أزمة الكهرباء المُتفاقمة، والتي تُلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة، في بلدٍ يزخر بثروات الطاقة، إلا أن شبح الجفاف وشحّ المياه يُهدد بإطالة أمد هذه الأزمة، ليس في العراق فحسب، بل في مُختلف دول الشرق الأوسط، مُثيرًا مخاوف حول مستقبل الطاقة الكهرومائية، وذلك وفقًا لتقرير نُشر مؤخرًا على موقع DW الألماني.
يتزايد عدد المُتضررين من الجفاف وندرة المياه حول العالم، مما يُنذر بعواقب وخيمة على مُستقبل البشرية، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها التغيرات المناخية الناتجة عن النشاط البشري، إضافة إلى التأثيرات المناخية المؤقتة لظاهرة النينيو.
يُشكّل شحّ المياه عائقًا كبيرًا أمام توليد الكهرباء من المحطات الكهرومائية، والتي تُعتبر حاليًا المصدر الرئيسي للطاقة المتجددة، حيث تُشير الإحصائيات إلى أن هذه المحطات ساهمت في توليد حوالي 14% من إجمالي استهلاك الكهرباء العالمي خلال عام 2023، وتُؤكد الوكالة الدولية للطاقة على ضرورة مُضاعفة هذه النسبة بحلول عام 2050 لتحقيق هدف الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
شهد النصف الأول من عام 2023 انخفاضًا قياسيًا في إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة 8.5%، ويُعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى موجات الجفاف الحادة التي أدت إلى انخفاض منسوب المياه في الأنهار والخزانات، خاصةً في الصين، والتي تُعدّ أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في العالم.
أزمة في مهد الحضارة
لطالما عانت محطات توليد الطاقة الكهرومائية في الشرق الأوسط من تزايد الجفاف، لا سيما في منطقة وادي الرافدين، والتي تُعتبر من أكثر مناطق العالم عُرضةً للجفاف، وفقًا لِما أورده بنيامين بول، مدير برنامج دبلوماسية المناخ والأمن في مركز “آدلفي” الألماني للأبحاث.
يُشكل نهرا دجلة والفرات، اللذان ينبعان من شرق تركيا ويعبران سوريا ليصبا في الخليج العربي، شريان الحياة لهذه المنطقة، إلا أن استمرار الجفاف وقلة هطول الأمطار أدّى إلى تراجع مُستمر في الموارد المائية، مما يُهدد قطاع الزراعة وإنتاج الطاقة الكهرومائية في دول حوض الرافدين.
أظهرت دراسات أجراها خبير المياه دورسن يلدز، مدير جمعية السياسة المائية التركية غير الحكومية، أن إنتاج الطاقة الكهرومائية في المحطات الواقعة عند منابع نهري دجلة والفرات في تركيا قد انخفض بنسبة 25%، ويُعزى ذلك إلى تراجع هطول الأمطار والثلوج بسبب التغيرات المناخية، مما يُنذر بانخفاض مُستوى المياه في نهر الفرات بنسبة 30 إلى 40% بحلول نهاية القرن الحالي، مما سيُؤثر سلبًا على دول المصب أيضًا.
العراق بين فكي الأزمة
يُشير بنيامين بول إلى أن السدود في إيران تُساهم أيضًا في تقليل تدفق المياه إلى العراق، مما يُفاقم من أزمة شحّ المياه.
أجرى سمير الجبوري، خبير الطاقة بجامعة الكتاب في كركوك، دراسة أظهرت انخفاضًا ملحوظًا في تدفق مياه الرافدين عام 2019، بسبب قيام دول المنبع، مثل تركيا، بحجز المياه لأغراض الري وتشغيل محطات توليد الطاقة الكهرومائية.
استخدم الجبوري 12 نموذجًا مناخيًا مختلفًا لتوقع مُعدل انخفاض تدفق المياه خلال العقود القادمة، وتُشير توقعاته إلى أن التغيرات المناخية ستُساهم في تسريع هذا الانخفاض، مما سيُؤدي إلى خسائر في إنتاج الطاقة الكهرومائية تتراوح بين 5 إلى 18% بحلول عام 2050.
على الرغم من أن هذه النسبة قد تبدو ضئيلة مقارنةً بانخفاض إنتاج الطاقة في تركيا الذي وصل إلى 25%، إلا أن هذه الخسائر الإضافية ستُزيد من العبء على نظام الطاقة في العراق، خاصةً في ظل اعتماده المتزايد على الطاقة الكهرومائية كمصدر نظيف للتخفيف من آثار استخدام الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز.
الجفاف يُعيد تشكيل الخارطة المناخية
أصبح تكرار موجات الجفاف الحادة في حوضي دجلة والفرات أكثر شيوعًا مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، حيث تحدث هذه الموجات الآن كل عشر سنوات تقريبًا، مقارنةً بمُعدل مرة كل 250 عامًا في الماضي، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن مركز “إسناد الطقس العالمي (WWA)” في لندن.
في ظل مُعاناة العراق من الجفاف والحر الشديد، تُمثل الطاقة المتجددة، وخاصةً الطاقة الكهرومائية، أداةً فعّالة لمُكافحة التغير المناخي وتأمين احتياجات الطاقة في عصر ما بعد الطاقة الأحفورية، كما يُشير خبير الطاقة سمير الجبوري.
ويُشدد الجبوري على أهمية بناء محطات طاقة كهرومائية أكثر كفاءة، وتحسين إدارة الموارد المائية من خلال إعادة تدوير المياه وبناء سدود صغيرة لتخزين فائض مياه الأمطار، مُؤكدًا أن هذه الإجراءات تُمثل حلولًا فعّالة لمُعالجة مشكلة نقص المياه على المُستوى المحلي وتعزيز مُقاومة الجفاف.
ويُضيف الجبوري أن اعتماد مُمارسات زراعية مُقاومة للتغيرات المناخية وتعزيز التعاون الإقليمي يُعدّ أمرًا حيويًا لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المائية الثمينة.
التعاون الإقليمي: ضرورة ملحّة
أشارت حسابات مركز “إسناد الطقس العالمي (WWA)” إلى أن الجفاف الذي شهدته منطقة حوضي دجلة والفرات بين عامي 2020 و2023 كان ثاني أسوأ جفاف منذ بدء التسجيلات المناخية، ويُعزى ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما كان له تأثيرٌ بالغ على قطاع واسع من السكان الذين يعتمدون على مياه الأمطار في الزراعة.
تُشير نعمة شريف، الباحثة السورية وخبيرة إدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن بعض المناطق في سوريا والعراق قد تحولت إلى أراضٍ قاحلة بسبب الجفاف المُتفاقم، مما دفع الكثيرين إلى ترك قراهم بحثًا عن مصادر مياه، مُحذرةً من أن الصراعات المُستقبلية قد تندلع بسبب التنافس على المياه وبناء السدود، خاصةً في تركيا، مُؤكدةً على البُعد السياسي لهذه القضية.
يُؤكد الباحث بنيامين بول على أهمية التعاون الإقليمي وإدارة المياه بشكل أفضل لِمصلحة جميع الدول المُتشاطئة على نهري دجلة والفرات، مُشددًا على أن هذا التعاون ضروري لتأمين إنتاج الطاقة الكهرومائية النظيفة والتخفيف من آثار أزمة المناخ.
تحتاج الدول التي تشهد صراعات، مثل العراق وسوريا، إلى استثمارات لتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية، ويُشير بول إلى أهمية تحديث الاتفاقيات القديمة حول تقاسم مياه دجلة والفرات لِزيادة كفاءة استخدام الموارد المائية في المنطقة، إلا أنه لا توجد حتى الآن مُفاوضات جادّة حول صياغة اتفاقيات جديدة مُلزمة.
تُؤيد خبيرة المياه نعمة شريف ضرورة التعاون الإقليمي في ظل تضاؤل الموارد المائية، داعيةً إلى بدء مُفاوضات جادة لمُعالجة هذه القضية الحساسة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
المصدر: شفق