الكاتبة السعودية د.هيفاء محمد الدعلان: الابتكار في الاقتصاد الأخضر أصبح اليوم أحد أهم السبل لبناء مستقبل مستدام يحافظ على الموارد الطبيعية ويحقق توازنًا بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة،هذا التحول لم يعد مجرد رؤية طموحة، بل ضرورة ملحة تفرضها التحديات البيئية المتزايدة والرغبة في ضمان حياة أفضل للأجيال القادمة. التكنولوجيا، بأدواتها الحديثة، تُعَدّ القوة المحركة لهذا التحول، حيث تسهم في خلق حلول جديدة تعيد تشكيل كيفية إنتاج واستهلاك الموارد. فما هو الدور الحقيقي للتكنولوجيا في دفع عجلة الاقتصاد الأخضر؟ وكيف يمكن أن يغير الابتكار الأخضر مستقبل الاقتصاد العالمي؟
الابتكار في الاقتصاد الأخضر يعتمد بشكل كبير على الاستثمار في البحث والتطوير. أشارتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 2٪ بحلول عام 2050، مع توفير ملايين الوظائف في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة الموارد. التكنولوجيا تلعب دورًا أساسيًا هنا، إذ تتيح تحسينات مستمرة في كفاءة استغلال الطاقة والموارد، مع تقديم حلول مبتكرة لخفض الانبعاثات وتحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية على حد سواء.
ومن أهم الاستراتيجيات في هذا السياق هي تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير. أشار البنك الدولي في تقرير حديث إلى أن زيادة الاستثمار في البحث والتطوير بنسبة 10٪ قد تؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 3٪ خلال السنوات القادمة.
كما أن الحكومات والشركات بحاجة إلى التعاون لدعم هذا الابتكار من خلال تقديم الحوافز الضريبية والتمويل المباشر لمشاريع الطاقة النظيفة. في تقرير جامعة ستانفورد أظهر أن الابتكار في تقنيات الطاقة المتجددة يمكن أن يساهم في خفض تكلفة إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة بنسبة تصل إلى 20٪ خلال العقد المقبل.
إلى جانب البحث والتطوير،تمثل البنية التحتية الذكية دورًا حاسمًا في تحقيق الاقتصاد الأخضر. فالمدن الذكية، التي تعتمد على أنظمة إدارة متقدمة للطاقة والنقل، أصبحت نموذجًا يمكن من خلاله تقليل الانبعاثات وتحسين الكفاءة. أشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021 إلى أن الاستثمار في تطوير هذه المدن يمكن أن يؤدي إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 30٪ بحلول عام 2030. هذه المدن تعتمد على تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لإدارة الموارد بشكل أكثر فعالية، مما يعزز من استدامة العمليات اليومية.
الشركات الناشئة تشكل أيضًا دورًا محوريًا في تحقيق الابتكار في الاقتصاد الأخضر،هذه الشركات غالبًا ما تقدم حلولًا جديدة للتحديات البيئية، وتعزز الابتكار في مجالات مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات. وفقًا لدراسة أجرتها غرفة التجارة الدولية، فإن الشركات الناشئة في مجال الابتكار الأخضر شهدت زيادة بنسبة 40٪ في الاستثمارات خلال السنوات الأخيرة. هذا الدعم المالي والتقني يمكن أن يساهم بشكل كبير في تسريع التحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام.
الابتكار في الاقتصاد الأخضر لا يمكن تحقيقه دون التعاون الدولي ،التحديات البيئية تتطلب حلولًا عالمية تتضمن تبادل المعرفة والتكنولوجيا بين الدول. ، أكد الأمين العام للأمم المتحدة في قمة المناخ لعام 2021 ،أن التعاون الدولي هو العامل الرئيسي لتحقيق أهداف الاستدامة العالمية. وأشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن تعزيز التعاون بين الدول يمكن أن يقلل من تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة تصل إلى 15٪ من خلال تبادل التكنولوجيا والخبرات.
ومن بين الدول الرائدة في هذا المجال، المملكة العربية السعودية، التي وضعت رؤية 2030 كخطة شاملة للتحول نحو اقتصاد أخضر،من خلال مبادرات مثل السعودية الخضراء ومشروع نيوم، تعمل المملكة على تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز القطاعات المستدامة.
تهدف مبادرة السعودية الخضراء إلى زراعة 10 مليارات شجرة وتقليل انبعاثات الكربون بنسبة 60٪ في منطقة الشرق الأوسط، مما يعزز من مساهمة المملكة في مكافحة التصحر وتحسين جودة الهواء. يُعد مشروع نيوم نموذجًا مستقبليًا للمدن الذكية التي تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة، مما يعزز من استدامة الاقتصاد في المملكة.
السعودية أيضًا تعمل على تبني الاقتصاد الدائري للكربون، وهو نهج يهدف إلى إدارة الانبعاثات الكربونية بفعالية من خلال تقليلها، إعادة استخدامها، تدويرها، وإزالتها. هذا النموذج يتماشى مع التزامات المملكة في اتفاقية باريس للمناخ، ويعزز من قدرتها على تحقيق أهدافها البيئية طويلة الأجل.
أيضا تستهدف المملكة إنتاج 50٪ من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وهي خطوة تعكس التزامها بالابتكار في الاقتصاد الأخضر.
بالرغم من هذه الجهود، لا يزال هناك تحديات تواجه تبني الاقتصاد الأخضر على نطاق واسع منها التكاليف الأولية المرتفعة لبعض تقنيات الطاقة النظيفة والبنية التحتية الذكية قد تعوق تقدم هذا التحول. ومع ذلك، هناك فرصة كبيرة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال الاستثمار في الابتكار. يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يمكن أن يسهم في خلق أكثر من 25 مليون وظيفة بحلول عام 2035، مما يساهم في تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.
الابتكار في الاقتصاد الأخضر ليس مجرد وسيلة لحماية البيئة، بل هو فرصة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام يعود بالنفع على المجتمع والبيئة معًا. التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تكون العامل الأساسي الذي يدفع هذا التحول، لكن يتطلب ذلك دعم الحكومات، المؤسسات والشركات لتمكين الابتكار وتوفير البنية التحتية اللازمة. وكما قال جون روبنسون، الباحث في جامعة كامبريدج: “التكنولوجيا هي المفتاح لتحقيق مستقبل أخضر، لكن الإرادة السياسية والاقتصادية هي التي تحدد مدى سرعة تحقيق هذا التحول.”
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية..
المصدر: مال