إن مصادر الطاقة المتجددة تتزايد في الأهمية كل يوم وإن سيطرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على قطاع محطات توليد الكهرباء الجديدة باتت واقعا في البلاد العربية والعالم أجمع، وسرعان ما ستصبح محطات الطاقة المتجددة حجر الأساس لتزويد الكهرباء عبر الشبكات الكهربائية. ولكن هذا النمو المتسارع يولد تحديا جديدا لتشغيل الشبكات الكهربائية بسبب التأثير المباشر لأحوال الطقس على التوليد الكهربائي مما يسبب تقلبات خطيرة في الشبكات الكهربائية الغير مهيأة لذلك. وبالتالي يدأب مشغلو الشبكات الكهربائية على الحفاظ على استقرار الشبكة عبر خلق آليات جديدة للتحكم بالتوليد ورفع مستوى الاحتياطي والتحكم بسحب الطاقة من وسائل التوليد الموزعة.
سنبدأ في هذا المقال بتعريف استقرار الشبكة الكهربائية، ومن ثم سرد بعض العوامل المؤثرة على هذا الاستقرار، ونختم ببعض التقنيات المستخدمة عالميا للتعامل مع التقلبات في الشبكة.
فهرس
استقرار الشبكة الكهربائية
إن إستقرار الشبكة الكهربائية ينتج عن حفاظ الشبكة الكهربائية على قيمة ثابتة للجهد والتردد بما يضمن توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها على المستهلكين بشكل يضمن عمل الأجهزة المربوطة مع الشبكة. ومنذ بداية استخدام التيار المتناوب في التغذية تم اعتماد ترددين أساسيين هما 50 هرتز كما في مصر وسوريا ولبنان و60 هرتز كما في السعودية، كما يوجد توترات تغذية محددة يجب أن تحافظ الشبكة على قيمتها مثل 220 فولط المستخدم في الدول العربية و110 فولط.
فمثلا نقول عن الشبكة الكهربائية في السعودية أنها مستقرة إذا كانت تردد الشبكة 60 هرتز وتوترها مساوٍ لـ 220 فولط مع السماح بانحراف ضئيل جداً عن هذه القيم لا يؤثر فعلياً على عمل الأجهزة مثل 59.9 هرتز و219 فولط.
تأثر استقرار الشبكة بعناصر التوليد مثل المحطات الكهربائية بأنواعها (غازية – بخارية – نووية – طاقة شمسية – طاقة رياح وغيرها) ويتأثر أيضاً بعناصر الإستهلاك كالمعامل والمباني. ويتم الحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية بموازنة الطاقة المتولدة مع الإستهلاك من خلال المراقبة والتحكم المستمر للشبكة. إن ازدياد الطلب على الطاقة مثلا يقابله انخفاض في تردد الشبكة ما لم يقابله زيادة للطاقة المتولدة مما يعيد قيمة التردد إلى قيمة الاستقرار (50 او 60 هرتز) كما توضح لنا الصورة التالية.
نلاحظ وجود مجال انحراف صغير جداً عن تردد الاستقرار (أقل أو أكثر من 50 هرتز بقليل في هذه الحالة) وهذا المجال مقبول حيث يتأثر التردد بالتغيرات الحاصلة في قيم الطاقة المتولدة والطاقة المطلوبة من قبل الأحمال.
شروط ربط المحطات مع الشبكة الكهربائية على التوازي
يمكن ربط العديد من محطات التوليد مع الشبكة الكهربائية ولكن يجب أن تحقق هذه المحطات شروطا معينة، وأهمها:
1- أن يكون جهد خرج المحطة مساوياً لجهد الشبكة المراد الربط معها.
2- أن يكون تردد خرج المحطة مساوياً لتردد الشبكة.
3- أن يكون تعاقب الأطوار للمولدات متماثلاً مع تعاقب الأطوار في الشبكة. إن الشبكة الكهربائية هي شبكة ثلاثية الطور لذلك عند الربط معها يجب أن يتحقق تماثل تعاقب الأطوار فإذا كانت أطوار الشبكة هي على التوالي A،B،C يجب أن تكون أطوار المولدات أيضا على التوالي A،B،C.
4- تحقيق التزامن بين المولدات والشبكة وهذا يتطلب وجود أجهزة تزامن خاصة تضمن تساوي فرق الصفحة الطورية للمولدات مع الشبكة.
بتحقيق هذه الشروط، و التي يتم تحديدها من قبل الهيئة التي تدير الشبكة الكهربائية، يمكن إدارة إنتاج المحطات الكهربائية و التخطيط لإضافة محطات طاقة جديدة.
أسباب عدم استقرار الشبكة الكهربائية
يمكن تقسيم هذه الأسباب إلى ثلاثة فئات:
أسباب تتعلق بالتوليد
- إن حدوث الأعطال في المولدات في المحطات الكهربائية التي تعتمد على طرق التوليد التقليدية (محطات بخارية – غازية…إلخ) قد يؤدي إلى تقلبات في الشبكة الكهربائية، و قد تسبب هذه الأعطال توقف المحطة عن توليد الطاقة الكهربائية بشكل جزئي أو بالكامل مما يسبب انخفاض تردد الشبكة. يجب العمل على إصلاح العطل أو تعويض النقص في قيمة الطاقة المولدة من محطات أخرى لحين إصلاح العطل وعودة المحطة إلى العمل.
- إن انخفاض انتاج محطات طاقة الرياح ينتج بسبب: أ) إنخفاض سرعة الرياح أو توقف الرياح، وبالتالي توقف العنفات أو ب) وجود عواصف تستدعي إيقاف العنفات عن الدوران لتجنب تعرضها لأضرار كبيرة. إن إنخفاض الإنتاج هذا قد يسبب تقلبات في الشبكة الكهربائية.
- غياب الإشعاع الشمسي في المحطات الكهروضوئية نتيجة لطقس سيء ووجود عدد كبير من الغيوم يسبب انخفاضا في الطاقة المنتجة مما قد يؤدي إلي تقلبات في الشبكة الكهربائية مما ينعكس سلباً على استقرار الشبكة.
أسباب تتعلق بالنقل
- إن حدوث انقطاع في أحد كابلات التوتر العالي يسبب انقطاعا في التغذية عن المناطق التي يغذيها الكابل.
- عطل في أحط المحولات التي تقوم بتحويل التوتر من عالي إلى منخفض أو بالعكس وينتج عنه أيضاً انقطاع بالتغذية.
أسباب تتعلق بالإستهلاك
- توقف أحد الأحمال الكبيرة (معامل – مصانع) نتيجة عطل ما يسبب فائضا في الطاقة الموجودة في الشبكة.
- ارتفاع مفاجئ في الطلب خارج أوقات الذروة المتوقعة مما يؤدي لعدم تناسب الطاقة المولدة مع الطلب وبالتالي يتأثر استقرار الشبكة بدوره.
مساوئ عدم الاستقرار
إن تغير الجهد يسبب تغيرا في تردد الشبكة الكهربائية وهذا يسبب مشاكلا في الأحمال التي تغذيها الشبكة حيث أن تغير التردد يمكن أن يسبب أعطالا في الأجهزة الكهربائية. وفي حال استمر تغير الجهد لفترة من الزمن فإن ذلك قد يتسبب بعمل الحمايات الموجودة على خطوط النقل والتوزيع بالإضافة إلى الحمايات الموجودة في محطات التوليد والتي تقوم بفصل العناصر التي تقوم بحمايتها مما يؤدي إلى انقطاع في الكهرباء عن المستهلكين.
أثر محطات الطاقة المتجددة على استقرار الشبكة الكهربائية
تختلف محطات الطاقة المتجددة (رياح – كهروضوئية وغيرها) عن المحطات التقليدية (الغازية – الحرارية وغيرها) بعدم قدرتها على المناورة مع تغير الأحمال بالإضافة إلى عدم إمكانية التحكم بكمية الطاقة المتولدة كونها تعتمد في التوليد على مصادر الطاقة الغير قابلة للتحكم كما هو الحال في يوم غائم لا يسمح بوصول كمية الإشعاع الشمسي المتوقعة إلى الألواح وبالتالي تنخفض قيمة الطاقة المولدة. وفي حال كان الطلب على الطاقة أكبر من قيمة الطاقة المتولدة، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض تردد الشبكة وعدم استقرارها، وإذا استمر ذلك لفترة من الزمن فسيسبب انقطاعا في التغذية عن أجزاء من الشبكة الكهربائية.
بعض الحلول المستخدمة لتفادي أثر محطات الطاقة المتجددة على استقرار الشبكة
يوجد بعض الطرق المستخدمة حالياً لمنع حدوث التقلبات والتأثير على استقرار الشبكة ونذكر منها:
الشبكات الهجينة
يتم بناء محطات الطاقة المتجددة (كهروضوئية مثلاً) بحيث تكون قريبة من محطات التوليد التقليدية (غازية مثلاً) ومع مراقبة مستمرة للطاقة التي تنتجها هذه المحطات يتم زيادة أو تقليل الطاقة المنتجة من المحطة التقليدية عن طريق التحكم بكمية الغاز المستهلك.
فإذا كان الطقس مشمساً وقيمة الإشعاع الضوئي في أعلى قيمها، تكون قيمة التوليد من المحطة الكهروضوئية عالية فيتم تخفيض الطاقة المنتجة من المحطة الغازية، والعكس صحيح، فعند انخفاض القدرة المولدة من المحطة الكهروضوئية نتيجة ليوم غائم او في الليل مثلاً يتم تعويض الفرق في الطاقة برفع انتاج المحطة الغازية.
تخزين الطاقة بالضخ في المحطات الكهرومائية
يتم استخدام المحطات الكهرومائية لتخزين الطاقة عندما يكون هنالك فائض في كمية الطاقة المنتجة من محطات الطاقة المتجددة حيث يتم استخدام الفائض من الطاقة في نقل المياه من المنسوب المنخفض إلى المنسوب المرتفع وعند انخفاض الطاقة المنتجة أو ارتفاع الطلب يتم نقل المياه من المنسوب المرتفع إلى المنسوب المنخفض عن طريق توربين مائي (عنفة مائية) تدور بتأثير الماء فتقوم بتدوير مولدة كهربائية تعيد للشبكة استقرارها.
تخزين الطاقة بالبطاريات
يمكن إنشاء غرف تخزين الطاقة بالبطاريات التي يتم شحنها وتغذيتها من قبل محطات الطاقة المتجددة عند وجود فائض في الطاقة ويتم استجرار الطاقة من البطاريات بشكل مباشر عند انخفاض تردد الشبكة، وهذه الطريقة تشهد انتشاراً واسعاً على المستوى التجريبي كما الحال في مجمع محمد بن راشد في دبي و مشروع البادية الهجين في الأردن حيث تم إضافة حاويات Containers مزودة بالبطاريات.
خلاصة
في السعي للوصول إلى عالم يعتمد على الطاقة المتجددة بالكامل يتوجب على الشركات التي تدير الشبكات الكهربائية القيام بالتحديث والبحث في مجالات التحكم بالشبكة وتخزين الكهرباء. وتظهر التجارب والتطبيقات نتائجا واعدة في الاستغناء عن المحطات التقليدية، ففي عام 2017 في ألمانيا مثلا وصل إنتاج محطات الطاقة المتجددة إلى 38% من الإنتاج الإجمالي تقريباً وتسعى ألمانيا إلى التوسع في هذا المجال في الأعوام القادمة والوصول إلى نسبة 65% من الاعتماد على الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
نتمنى لكم يوما مشمسا!