المقدمة
قدمت الحكومات والشركات العالمية العديد من الجهود والمقترحات بهدف تحقيق الحياد الكربوني الصفري بحلول عام 2050 وذلك من خلال خفض كمية انبعاثات الكربون الضارة بالجو كما أنها تسعى لتحقيق توازن في كمية الانبعاثات التي تصدرها مقابل منع انبعاث كميات أخرى مقابلة لها، ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات من قبل القطاعين العام والخاص للحد من أثر الأنشطة التي تتسبب بالانبعاثات الكربونية في سبيل التخفيف من تغير المناخ.
قد تكون سمعت عن بعض المصطلحات المتعلقة بانبعاثات الكربون مثل «تعويض الكربون – Carbon Offsetting» أو «تضمين الكربون – Carbon Insetting» وهما نهجان يمكن من خلالهما تقليل أو منع انبعاث الكربون، وسنتعرف في هذا المقال على تعريف كل نهج منهما وعيوبه ومزاياه وتقديم مقارنة بينهما وعلى وإمكانية تطبيق كل نهج على أرض الواقع.
تعويض الكربون
يقصد به قيام الشركات بالاستثمار في مشاريع بيئية حول العالم كوسيلة لتعويض الانبعاثات الناتجة من عملياتها ومشاريعها الخاصة، والهدف من هذه المشاريع عادة هو التعويض عن غازات الاحتباس الحراري التي انبعثت وتنبعث من مشاريع الشركة وغالباً ما تكون هذه المشاريع مقامة في البلدان النامية، وتركز معظمها على مشاريع الحفاظ على الغابات والمحميات الطبيعية والطاقة المتجددة والمشاريع المجتمعية والطاقة النفايات.
مزايا تعويض الكربون:
- تحسين كفاءة الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة فضلاً عن المساهمة في تقليل الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة.
- المساعدة في تخفيف آثار الانبعاثات التي لا يمكن تجنبها، مثل تلك المتعلقة بالسفر الجوي، من خلال دعم مشاريع تقلل الانبعاثات في مكان آخر.
- توفير السيولة المالية في البلدان النامية لمساعدتها في الحفاظ على انبعاثات الكربون
- يعزز الشفافية والمساءلة من خلال مطالبة الشركات والأفراد بقياس والإعلان عن انبعاثاتهم وتعويضها.
- تعزيز السمعة والولاء للعملاء من خلال إظهار المسؤولية البيئية والالتزام بالتصدي لتغير المناخ.
- يساعد في الامتثال للوائح والمعايير مثل اتفاقية باريس التي تتطلب تخفيضات الانبعاثات أو التعويض عنها.
العيوب:
- تعويض الكربون لا يعالج السبب الجذري للانبعاثات ولا يشجع الشركات على تغيير سلوكها أو ممارساتها بل تعويضها فحسب.
- قد يخلق شعوراً كاذباً بالإنجاز أو الرضا لدى الشركات التي تعتمد على التعويض لتحقيق الحياد الكربوني.
- قد ينطوي تطبيق هذا النهج على الازدواجية أو عدم وجود تكامل، نظراً لأن المشاريع التي ستتسبب بالانبعاث ستقام على كل الأحوال.
- قد يكون له تأثيرات سلبية اجتماعية أو بيئية، مثل نزوح المجتمعات المحلية أو الضرر بالتنوع البيولوجي.
ومن الأمثلة على طرق تطبيق تعويض الكربون:
1. إعادة التشجير للأراضي المجردة: مثل زراعة الأشجار أو استعادة المناطق الساحلية.
2. مشاريع الطاقة المتجددة: مثل بناء محطات طاقة الرياح أو محطات الطاقة الشمسية التي تحل محل مصادر الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري.
3. تحسين كفاءة استخدام الطاقة: ويمكن تطبيق ذلك من خلال زيادة العزل في المباني أو استخدام مركبات أكثر كفاءة في النقل.
4. إدارة النفايات والمطامر: من خلال استخدام واستغلال غاز الميثان أو تحويل النفايات العضوية إلى سماد.
تضمين الكربون
يعبر مصطلح تضمين الكربون عن عملية تقليل انبعاثات الكربون داخل السلاسل الإمداد الخاص بالشركة كأن تقوم بالاستثمار في مشاريع قليلة أو عديمة الانبعاثات. أي أن الشركات تقوم بالاستثمار في جعل منتجاتها وممارساتها وسلاسل إمدادها أكثر استدامة.
مزايا تضمين الكربون:
- يركز ويحدد مصدر الانبعاثات ويحفز الشركات على تحسين كفاءتها وابتكارها.
- يخلق قيمة ومرونة للشركة وأصحاب المصلحة الآخرين مثل الفلاحين، والموردين والعملاء والمجتمعات.
- يعزز التنوع البيولوجي والخدمات البيئية مثل جودة المياه وصحة التربة والتلقيح.
- يتوافق مع مبادئ الاقتصاد الدائري والتطوير.
العيوب:
مقابل هذه المزايا ما زال يوجد بعض العيوب في اتباع هذا النهج وهي:
- قد يكون أكثر تعقيداً وتكلفة للتنفيذ من التعويض إذ يتطلب هذا النهج مزيداً من التعاون والتنسيق بين الجهات المختلفة داخل سلسلة الإمداد.
- قد يواجه صعوبات تقنية أو منهجية في قياس والتحقق من تقليل الانبعاثات أو منع الانبعاثات التي تم تحقيقها من خلال المشاريع.
- قد لا يكون كافياً لتحقيق الحياد الكربوني بمفرده، إذ قد تظل بعض الانبعاثات لا يمكن تجنبها أو خارج نطاق سلسلة الإمداد.
وفيما يلي بعض الإجراءات التي تعتبر تطبيقاً لنهج تضمين الكربون:
1. مشاريع الزراعة مثل زراعة الأشجار أو الشجيرات على الأراضي الزراعية لتعزيز كربون التربة والتنوع البيولوجي والإنتاجية.
2. بناء مشاريع الطاقة المتجددة ومثال عليها تثبيت أنظمة الطاقة الشمسية أو هاضمات الغاز الحيوي في المزارع أو المصانع للحد من استخدام الوقود الأحفوري وانبعاثاته.
3. مشاريع الزراعة المتجددة مثل اعتماد الممارسات الزراعية اللاحراثية أو زراعة الغطاء النباتي أو الممارسات العضوية لتحسين صحة التربة واحتجاز الكربون.
4. مشاريع الحفاظ على البيئة وتتمثل في حماية الغابات أو المستنقعات الحالية من التدهور.
أي النهجين أفضل؟
لا توجد إجابة قطعية لهذا السؤال، لأن كلا النهجين له مزايا وعيوب، إلا أن هناك بعض المعايير التي يمكن استخدامها للمقارنة مثل:
المعيار | تضمين الكربون | تعويض الكربوين |
التطبيق | يركز على تقليل انبعاثات سلسلة التوريد الخاصة بالشركة، وقد يكون له تأثير مباشر وإيجابي أكبر على عمليات الشركة وأصحاب المصلحة | عملية تعويض عن انبعاثات في أماكن أخرى وتأثيره أوسع وأكثر تنوعاً على البيئة العالمية والمجتمع. |
الفعالية | مكن أن يساعد في تجنب أو تقليل الانبعاثات من المصدر، بالتالي يمكن أن يكون له دور أكثر وقاية واستباقية في التخفيف من تغير المناخ | يعوض عن الانبعاثات التي حدثت في الماضي، ويمكن أن يكون دوره أقرب للإصلاح |
التكلفة | تنفيذه أكثر تعقيداً وتكلفة لأنه يتطلب المزيد من التعاون والتنسيق بين الجهات المختلفة في سلسلة التوريد | أكثر ملاءمة وأقل تكلفة وينطوي على شراء رصيد من مشاريع خارجية تم التحقق منها وتوثيقها بالفعل |
الإثبات والتحقق | قد يواجه صعوبات تقنية أو منهجية في القياس والتحقق من تقليل الانبعاثات التي نتجت من المشاريع أو إزالتها بسبب عدم وجود أدلة واضحة أو معايير موحدة لذلك | عمليات التحقق أكثر موثوقية وشفافية بسبب وجود منظمات طرف ثالث معترف بها تقدم شهادات لجودة ونزاهة المشاريع |
بناءً على هذه المعايير يمكن القول أن تضمين الكربون هو الأفضل للشركات التي ترغب في تحسين كفاءتها وابتكارها، وخلق قيمة ومرونة لأصحاب المصلحة وتعزز التنوع البيولوجي والتوافق مع مبادئ الاقتصاد الدائري والتنمية المتجددة.
أما تعويض الكربون فهو الأفضل للشركات التي ترغب في تحقيق الحياد الكربوني بسرعة وسهولة، ودعم مجموعة متنوعة من القضايا البيئية والاجتماعية حول العالم، وتحسين كفاءة الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة، والحد من الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة.
أخيراً، يمكن القول أن تضمين الكربون والتعويض هما نهجان مختلفان للتخفيف من آثار انبعاثات الكربون والمساعدة في تحقيق الحياد الكربوني كما أن لكل منهما له مزاياه وعيوبه، ويمكن أن يساعد تعويض الكربون في تعويض الانبعاثات غير القابلة للتجنب عن طريق الاستثمار في مشاريع خارجية تقلل أو تزيل الغازات الدفيئة في مكان آخر.
ويمكن أن يساعد تضمين الكربون في تجنب أو تقليل الانبعاثات عن طريق الاستثمار في مشاريع داخلية تجعل سلسلة الإمداد أكثر استدامة.
ومع ذلك فإنه لا يمكن أن يحل أي منهما محل الحاجة إلى خفض الانبعاثات المباشرة من قبل الشركات، كما يُوصى باتباع استراتيجية متوازنة وشاملة تجمع بين النهجين مع إجراءات أخرى لتحقيق الحياد الكربوني بفعالية ومسؤولية.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد عن الطاقة المتجددة.
نتمنى لكم يوماً مشمساً..
المصادر: Euro News Greenly The World Economic Forum AHDB