الفهرس
مقدمة
ترتبط آثار التغير المناخي ونقص التنوع البيولوجي بشكل مباشر معاً، ذلك لأن إحداهما تؤثر على الأخرى أو تتأثر بها.
في الوقت الذي أصبحت فيه آثار التغير المناخي غير محتملة وواضحة على الرغم من بذل العديد من الجهود المشتركة بين القطاعين العام والخاص إلا أن ذلك ليس كافياً.
الحلول القائمة على الطبيعة … نهج مبتكر
أصبحت الأنظار تتجه نحو أي حل أو طريقة أو وسيلة يمكن من خلالها تقليل هذه الآثار في سبيل توفير بيئة آمنة وصحية يمكن العيش فيها قبل فوات الآوان. فظهر مؤخراً مصطلح (Nature-Based Solutions) أو ما يعرف بالحلول القائمة على الطبيعة. فماذا يعني هذا المصطلح وما علاقته بحل الأزمات المناخية ونقص التنوع البيولوجي.
ظهر مصطلح “الحلول القائمة على الطبيعة” لأول مرة في تقرير للبنك الدولي صدر عام 2008، وركز التقرير آنذاك على حماية وإدارة التنوع البيولوجي بهدف التكيف مع تغير المناخ.
تطور هذا المفهوم مع مرور الوقت وفقاً للجهات المعنية بهذا المجال، وآخرها تعريف الأمم المتحدة الذي أصدرته عام 2022 وينص على أن “الحلول القائمة على الطبيعة” مصطلح يشير إلى الحلول الطبيعية التي تستخدم لحماية وصون واستعادة واستخدام وإدارة الأنظمة البيئة الطبيعية سواء كانت برية أو بحرية أو جوية. وتهدف هذه الحلول إلى معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الناتجة عن التغير المناخي بطريقة فعالة وتكيفية، مع ضمان انعكاس ذلك بشكل إيجابي على صحة الإنسان وخدمة البيئة والتنوع البيولوجي.
باختصار فإن هذا المصطلح يشير إلى استخدام الموارد أو الحلول البيئية الطبيعية في البيئة للحد من آثار تغير المناخ الكارثية بشكل يتجاوز حل المشكلة وإنما توفير رفاهية العيش وصحة أفضل للإنسان والمرونة والتنوع البيولوجي.
أمثلة على الحلول القائمة على الطبيعة وكيف تساعد على مواجهة آثار التغيّر المُناخي؟
ذكرنا سابقاً أنه باللجوء إلى الطرق الطبيعية يمكن الحد من آثار التغير المناخي، إليك بعض الأمثلة على هذه الحلول:
- حدائق امتصاص مياه الأمطار: تعمل هذه الحدائق كخزانات طبيعية للمياه الزائدة خلال الفيضانات الشديدة، مما يقلل من شدة الفيضانات في الأماكن الأخرى.
- شعاب المحار: تلعب شعاب المحار دورًا حيويًا في البيئة البحرية، فهي تبني شعابًا ضخمة توفر المأوى والغذاء للعديد من الحيوانات البحرية وتحمي السواحل من الأمواج.
- السدود المتراجعة: وهي السدود التي يتم بناؤها على مسافة أبعد من المسافة المعتادة من المسطحات المائية، مما يقلل من الفيضانات والانجراف.
- حماية الأراضي: الحفاظ على المساحات المفتوحة الطبيعية لمنع استخدامها في غايات تضر البيئة، ويتم ذلك من خلال شراء هذه الأراضي أو تلقيها كتبرعات.
- تجميع مياه الأمطار: يمكننا جمع مياه الأمطار وتخزينها لاستخدامها لاحقًا، مما يقلل من جريان المياه السريع ويحد من الاعتماد على مياه الشرب لكافة الاستخدامات.
- المسارات الخضراء: توفير هذه المسارات تساعد في امتصاص مياه الفيضانات وتقلل من ظاهرة ارتفاع درجة حرارة المناطق العمرانية مقارنة بالمناطق الريفية المحيطة، كما توفر هذه المسارات فرصًا للترفيه وتُشجّع على الاتصال بالطبيعة.
- إدارة الموائل الطبيعية (الحيوانات والنباتات الطبيعة): تساعد إدارة الموائل الطبيعية على امتصاص مياه الفيضانات وتحسين جودة المياه، كما أنها تقلل من مخاطر الحرائق والانجراف وتحمي الأنواع المهددة بالانقراض.
- حدائق المطر (مرافق الاستبقاء الحيوي): عبارة عن أحواض ضحلة لجمع وامتصاص مياه الأمطار، تستخدم هذه الحدائق حول المنازل أو المباني لجمع مياه الأمطار والتقليل من الفيضانات.
- الحدائق الواقعة على الواجهة البحرية: صممت هذه الحدائق لتُغمر بالمياه في حالة الأمطار الشديدة، مما يقلل من الفيضانات في أماكن أخرى، وتوفر منظراً جمالياً وترفيهياً.
- الرصيف المنفذ: يسمح هذا الرصيف بتسرب مياه الأمطار إلى الأرض من تحته، ويستخدم عادة في مواقف السيارات والمساحات الخضراء ويقلل من احتمالية حدوث الفيضانات.
- مظلة الأشجار: وهي طبقة من أوراق الأشجار وأغصانها تغطي مساحة من الأرض تقلل من جريان مياه الأمطار وتحسن جودة الهواء وتدعم التنوع البيولوجي.
- الأراضي الرطبة: وهي مناطق انتقالية بين اليابسة والماء، وتتميز بتربة مشبعة بالمياه لفترة طويلة من السنة، تحسن هذه الأراضي جودة المياه وتحد من مخاطر الفيضانات وتجدد المياه الجوفية.
- حبس الرمال: وهي عملية جمع الرمال وتحويلها إلى كثبان رملية أو مناطق مرتفعة، تساعد في حماية الشواطئ من التعرية وتعمل كحاجز طبيعي ضد الفيضانات وتوفر المأوى للكائنات الحية الساحلية.
الحلول القائمة على الطبيعة مقابل الحلول الهندسية
تنوعت الحلول الهندسية التي يتم اتباعها للتخفيف ومواجهة آثار تغير المناخ ومتعارف عليها بشكل كبير في وقتنا الحاضر.
ومن أهم الأمثلة على هذه الحلول:
- تعويض أو تضمين الكربون.
- اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الطاقة الكهربائية مثل الطاقة الشمسية و الكهرومائية وطاقة الرياح.
- استخدام خلايا وقود الهيدروجين بدلاً من الوقود
- حلول تخزين الطاقة الذكية مثل الهيدروجين وبطاريات الرمل والثلج والأملاح الذائبة.
ولكن السؤال الآن ما الفرق بين الحلول القائمة على الطبيعة والحلول الهندسية؟
يوضح الجدول التالي المقارنة بين الحلول القائمة على الطبيعة والحلول الهندسية لمكافحة تغير المناخ:
المقارنة | الحلول الهندسية | الحلول القائمة على الطبيعة |
التأثير | أسرع وعلى مدى أوسع | يتحقق على المدى البعيد |
قيمة الاستثمار في المشاريع | عالية | متوسطة – منخفضة |
الصيانة والتشغيل | متوسطة | منخفضة |
الآثار البيئية | تقليل ثاني أكسيد الكربون في الجو وتحسن جودة الهواء | تحسن الأمن الغذائي والمائي وتحافظ على التنوع البيولوجي وتحسن جودة الهواء. |
جهود ومبادرات دولية
ضمت محفظة حلول البنك الدولي القائمة على الطبيعة 70 مشروعًا في السنة المالية 2020 ركزت خلالها بشكل أساسي على مجاليّ إدارة المياه وإدارة مخاطر الكوارث. وبينما تُبذل الجهود لتوسيع نطاق تطبيق هذه الحلول لتشمل مجالات أخرى، يُكثّف البنك تدريب موظفيه لضمان التوافق مع التزامه بمواجهة كلّ من أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN): يُعدّ IUCN منظمة دولية رائدة في مجال حماية الطبيعة، ويُقدّم مجموعة واسعة من الموارد والخدمات لدعم تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة.
برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP): يُعنى UNEP بتعزيز حلول قائمة على الطبيعة في مختلف المجالات، بما في ذلك التكيف مع تغير المناخ وإدارة الموارد المائية والأمن الغذائي.
وغيرها الكثير من المنظمات او المبادرات العالمية التي تعنى بالحفاظ على البيئة وحماية التنوع البيولوجي مثل الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) وغيرها.
مشاريع حول العالم
يعد تطبيق الحلول القائمة على الطبيعة أسهل لمن الحلول الهندسية بسبب انخفاض قيمة رأس مال الاستثمار وحاجة أقل إلى العمالة، كما أنه هناك بعض المشاريع القائمة لحل مشاكل المناخ والتنوع البيولوجي، ونذكر منها:
- مشروع مصاطب (درجات أرضية) بوروندي، ويتضمن المشروع بناء 8,000 هكتار من المصاطب على سفوح التلال، واستخدامها للسيطرة على انجراف التربة وزيادة رطوبتها، وقيام المزارعين بزراعة الأشجار والأعشاب لحماية التربة السطحية.
- مشروع استعادة أراضي كولومبو الرطبة في سريلانكا، إذ استعاد المشروع وحمى الأراضي الرطبة باستخدام البنية التحتية الخضراء والرمادية (الطبيعية والاصطناعية)، وأدى هذا المشروع إلى تقليل استخدام مكيفات الهواء في المناطق المجاورة.
- مشروع بحيرة تشيجيانج تشيانداو، الصين: يقوم المشروع على معالجة تلوث المياه وتعزيز التنوع البيولوجي ودعم التنمية المستدامة عن طريق تشجيع الممارسات الزراعية الصديقة للمناخ وإدارة الغابات المستدامة، والتشجيع على الزراعة الذكية مناخياً واستعادة الأراضي المتدهورة والإدارة المستدامة للبيئة في الغابة.
خلاصة
تطبيق الحلول القائمة على الطبيعة قد يكون سهلاً ويحتاج إلى قيمة استثمار أقل مقارنة بالحلول الهندسية، إلى أن نتائجه تحتاج إلى فترة أطول حتى تظهر كما أن تطبيقها بدأ متأخراً نوعاً ما.
كما أن تطبيق هذه الحلول قد لا ينحصر على الجهات الحكومية أو الشركات الضخمة إنما بإمكان الأشخاص على المستوى الفردي تطبيقها وهذا مهم جداً لأن كل مجهود يبذل في تحقيق تقليل آثار تغير المناخ هو مهم وله قيمة، كما يمكن اتباع كلا الأسلوب لتسريع تحقيق الأهداف المرجوة.
المصادر: The World Bank , The Nature Based Solutions Initiative, FEMA