يشهد كوكب الأرض تغييرات مناخية متسارعة وغير مسبوقة، إذ ترتفع درجات الحرارة العالمية بمعدلات قياسية ويرتفع مستوى مياه سطح البحر. كما تزداد حدة الظواهر الجوية المتطرفة كالعواصف والأعاصير والفيضانات والجفاف. وإن هذه التغيرات ليست مجرد أرقام مذكورة في التقارير، وإنما هي واقع ملموس يؤثر سلباً على حياتنا اليومية وعلى البيئة المحيطة بنا من نقص في الموارد المائية العذبة وتدهور في التنوع البيولوجي وزيادة وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية. تتعدد أسباب هذه التغيرات، ولكن السبب الرئيسي يكمن في زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والتي تنبعث بشكل كبير من حرق الوقود الأحفوري في الصناعة والنقل. بالإضافة إلى إزالة الغابات، والأنشطة الزراعية غير المسؤولة.
ولمواجهة هذه التحديات الخطيرة، تبذل الحكومات والشركات جهود عالمية كبيرة للحد من الاحتباس الحراري والتكيّف مع آثاره. تشمل هذه الجهود التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح وزيادة كفاءة الطاقة، وتطوير تقنيات حديثة لاحتجاز الكربون وتخزينه. بالإضافة إلى تعزيز الزراعة المستدامة والعمل على خفض البصمة الكربونية.
كيف يمكن للصناعة، وهي أحد أكبر المساهمين في التلوث، أن تكون جزءًا من الحل لمشكلة تغير المناخ؟ في هذا المقال، سنكشف عن الإجابات.
البصمة الكربونية
يشير مصطلح البصمة الكربونية إلى إجمالي الغازات الدفيئة المنبعثة في الجو والناتجة عن الأنشطة اليومية لكل من الأفراد والشركات والمدن والدول. ولا تقتصر هذه الغازات فقط على ثاني أوكسيد الكربون «CO2»، بل تشمل أيضًا الميثان «CH₄» وأوكسيد النيتروز «N2O» والغازات المفلورة. وتساهم هذه الانبعاثات بشكل كبير في التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب.
يعد قطاع التصنيع والإنتاج من أكبر المساهمين في انبعاثات الكربون العالمية، إذ يسهم بنسبة تصل إلى 5% من إجمالي الانبعاثات و54% من الطاقة المستهلكة. تعد جميع الصناعات جزءًا من هذه المعادلة، مما يبرز أهمية معالجة قضية انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وإن تقليل هذه الانبعاثات ليس مجرد ضرورة بيئية، بل هو أيضًا خطوة حيوية نحو تحقيق الأهداف المناخية العالمية. ففوائد إدارة الكربون تتجاوز الالتزام بالاستدامة.
وفي عالم تتزايد فيه الانبعاثات الكربونية، تبرز الطاقة الشمسية كحلاً واعداً لتخفيض البصمة الكربونية باعتبارها واحدة من أقل وسائل توليد الكهرباء إنتاجاً للكربون والانبعاثات الضارة. وباستبدال الوقود الأحفوري بالطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، يمكننا تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية التي تساهم بشكل كبير في زيادة الانبعاثات الكربونية، وبالتالي الحد من آثار التغير المناخي.
المصانع ذات صفر بصمة كربونية
ينشأ جزء كبير من البصمة الكربونية للشركات المصنعة في النطاقين 1و2. إذ تعبر انبعاثات النطاق 1 عن الانبعاثات التي تحدث في الموقع بسبب تشغيل الأجهزة التي تتحكم فيها الشركة أو تمتلكها أو تشغيل الآلات لتصنيع المنتجات وغيرها. في حين أن انبعاثات النطاق 2 تعبر عن الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن إنتاج الطاقة التي تشتريها الشركة.
تسعى العديد من الصناعات إلى أن تصبح محايدة للكربون. ولكن بالنسبة لمصانع التصنيع، يمكن أن يكون هذا تحديًا صعبًا، إذ غالباً ما تستهلك المصانع كميات هائلة من الطاقة، والتي تأتي بمعظم الأحيان من مصادر تقليدية غير متجددة. ومع ذلك، أخذت العديد من الشركات على عاتقها مسألة بناء مصانع خالية من الكربون والتي لا تنتج أي انبعاثات كربونية على الإطلاق.
يتم تحقيق ذلك باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل عنفات الرياح أو الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، تُخزن هذه الطاقة في نظام تخزين طاقة على نطاق واسع، مما يتيح استخدامها لتشغيل المصنع. بهذه الطريقة، يمكن للمصانع العمل دون الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية التي تنتج انبعاثات الكربون. بالإضافة إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة في جميع العمليات الإنتاجية من خلال الترقية إلى آلات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتنفيذ أنظمة ذكية لإدارة الطاقة بشكل أفضل، وتحسين سير العمل في الإنتاج لتقليل النفايات وتقليل استهلاك الطاقة وإدارة النفايات وإعادة تدوير المواد بالشكل الأمثل.
ما الخطوات التي اتخذتها Astronergy لتحقيق الحياد الكربوني؟
حصلت شركة أسترو إنيرجي Astronergy في يناير العام الماضي على أول ملصق الكشف عن الكربون في صناعة الطاقة الشمسية الصينية من قبل الشركة الصينية للاختبارات والشهادات الدولية المحدودة ” China Testing & Certification International Group Co., Ltd. ” وذلك تقديراً لعملية إنتاجها منخفضة الكربون ومساهماتها في تعزيز الحياد الكربوني.
من خلال سلسلة من العمليات والاختبارات، توصلت CTC إلى أن الانبعاثات الكربونية التي تولدها Astronergy لكل كيلوواط من منتجاتها من الألواح الشمسية هي منخفضة للغاية وتبلغ 382 كغ. أي أنها أقل بكثير من متوسط مستوى قيمة الكربون في الصناعة الذي يتراوح بين 400 و500 كغ.
أول مصنع لصناعة الطاقة الكهروضوئية خال من الكربون
تعمل شركة Astronergy باستمرار على تقليل انبعاثات الكربون من منتجات الشركة وعملياتها. وتجد بنا الإشارة إلى علامة أخرى من ممارسات الشركة من أجل عالم أكثر اخضراراً.
فقد حصلت المرحلة الأولى من منشأة يانتشنغ Yancheng التابعة لشركة Astronergy على شهادة أول مصنع خالٍ من الكربون من قبل TÜV Rheinland في يوليو عام 2023؛ وقد حصلت قاعدة يانتشنغ على تصنيف ثلاث نجوم وحصلت بنجاح على شهادة مصنع بصفر انبعاثات كربونية (النوع 1)، التي تعترف بها جمعية الحفاظ على الطاقة الصينية.
لقد تم تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 42221.37 طنًا، ومثلت الطاقة المتجددة 69.61% من إجمالي استهلاك الطاقة في المنشأة، مما أدى إلى فوائد بيئية كبيرة.
كما تم اتباع طرق مبتكرة للحفاظ على المياه والتي ساهمت في توفير 69 ألف طن من المياه سنوياً. تولد وحدات التكييف كمية كبيرة من الماء على شكل قطرات ماء متكثفة خلال عملية التبريد. وبدلاً من تصريف هذا الماء مباشرة، تم اقتراح إعادة تدويره واستخدامه مرة أخرى في نظام التبريد. تتلخص العملية بالشكل التالي:
يتم جمع الماء المتكثف الناتج عن وحدة التكييف. وبعدها يُضخ هذا الماء باستخدام مضخة إلى برج التبريد. وقبل دخول الماء إلى برج التبريد، يمر بخزان الترسيب للتخلص من الشوائب. يعاد استخدام الماء المبرد في برج التبريد مرة أخرى في عملية التبريد.
رؤى مستقبلية
تطمح شركة Astronergy إلى ترقية المزيد من مصانعها إلى مصانع خالية من الكربون لذلك أبرمت تعاونًا مع TÜV Rheinland، وهي أحد الشركات المشاركة في وضع أول معيار عالمي كامل وقابل للقياس لبناء مصانع خالية من الكربون وقواعد التقييم – “مواصفات تقييم المصنع الخالي من الكربون” (T / CECA-G 0171-2022) ، وهي ضمن الدفعة الأولى من المؤسسات التي تقدم خدمة تقييم وإصدار شهادات للمصانع الخالية من الكربون. ووفقًا لقواعد التقييم وبمساعدة TÜV Rheinland، فإنه بحلول نهاية عام 2030، سيكون لدى Astronergy ما لا يقل عن سبعة مصانع أخرى تحقق أداء شامل لانبعاثات الكربون الصفرية من خلال التدابير التقنية والفنية مثل الحفاظ على الطاقة، وخفض الانبعاثات، وإزالة الكربون أثناء التخطيط والتصميم والبناء والإدارة وعمليات التصنيع.
كما تهدف الشركة بحلول عام 2035 إلى جعل جميع الطاقة المستخدمة في العمليات التشغيلية لديها تأتي من مصادر متجددة مثل الشمس والرياح والماء. وتقليل استهلاك المياه لكل لوح منتج بنسبة 50% مقارنة بعام 2022. بالإضافة إلى ذلك تطمح Astronergy بالوصول إلى الحياد الكربوني وأن تكون الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عمليات التشغيل مساوية للانبعاثات الكربونية التي يتم امتصاصها. وكذلك تهدف الشركة أيضاً إلى إعادة تدوير المنتجات التي تنتجها بعد انتهاء عمرها الافتراضي بنسبة 90%. فضلاً عن أنها تطمح لاستخدام 80% من المواد الخام من المنتجات المعاد تدويرها.
الخلاصة
في النهاية يمكننا القول إن المصنّعين يتحملون مسؤولية كبيرة في مكافحة تغير المناخ. فمن خلال تبني ممارسات مستدامة، مثل استخدام الطاقة المتجددة والحد من النفايات والتحول نحو الاقتصاد الدائري، يمكنهم تقليل بصمتهم الكربونية بشكل كبير. ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومات والمستهلكين والمستثمرين. فبالتعاون بينهم يمكن بناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.