تُعد أزمة المياه واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية اليوم، وتشير الإحصائيات إلى واقع مروع يستدعي انتباهنا. إذ يفتقر حوالي 770 مليون شخص حول العالم إلى الوصول إلى مياه نظيفة، مما يعني أن واحدًا من كل عشرة أفراد يعاني في صمت. فعلى سبيل المثال تضطر النساء في المناطق الريفية في أفريقيا إلى قطع مسافات تصل إلى ستة كيلومترات يومياً لجلب 18 لتراً من المياه، وهو ما يعكس حجم المعاناة اليومية. ولكن أزمة المياه هذه لا تقتصر على الدول النامية فحسب، بل تمتد إلى أماكن متقدمة مثل كاليفورنيا والتي يعتمد فيها حوالي 90% من سكانها أي أكثر من مليوني شخص على الآبار الخاصة والمياه الجوفية كمصدر أساسي لتلبية احتياجاتهم المائية. ومع تفاقم ظروف الجفاف والضخ المفرط للمياه الجوفية، باتت المجتمعات المحلية تواجه تحديات متزايدة في الحصول على ما يكفي من المياه. وكذلك الأمر بالنسبة لمزارع ومدن الولاية والتي باتت تعتمد على طبقات المياه الجوفية لتلبية نحو 40% من احتياجاتها، وتزداد هذه النسبة خلال سنوات الجفاف. كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في حل أزمة المياه؟ هذا ما سنستكشفه في مقالنا اليوم
أسباب أزمة المياه
تعتبر الزراعة أحد الأسباب الرئيسية لأزمة ندرة المياه. إذ تستهلك الزراعة حوالي 70% من إجمالي المياه، وقد تصل هذه النسبة إلى 95% في بعض الدول النامية.
بالإضافة إلى ذلك فإنه من المتوقع أن تتفاقم أزمة ندرة المياه نتيجة لتغير المناخ، حيث ستؤدي الزيادات في درجات الحرارة العالمية إلى تفاقم الجفاف المتكرر والشديد، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي. كما أن ارتفاع درجات الحرارة سيزيد من الطلب على المياه اللازمة لري المحاصيل.
كما يعتبر سوء إدارة الموارد المائية من أبرز أسباب تفاقم أزمة المياه العالمية، حيث يسهم الإفراط في استخراج المياه الجوفية، والتلوث الصناعي والزراعي، والهدر المفرط في المياه في نضوب هذه الموارد الحيوية.
طرق الحل
هناك إمكانيات كبيرة لتحسين طرق استخدام المياه في إنتاج الغذاء. فعلى سبيل المثال، يؤثر اختيار المحاصيل بشكل كبير على كمية المياه المطلوبة. فمحاصيل البقول، مثل العدس، تتطلب كميات أقل من المياه، حيث يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد منها إلى 1250 لترًا فقط. بالمقارنة، يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر حوالي 13,000 لتر من الماء.
بالإضافة إلى ذلك لا بد من تحسين كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية، وذلك من خلال اتخاذ خطوات فعالة لإدارة موارد المياه العذبة المحيطة بالمحاصيل وإعادة استخدامها، فضلاً عن تعزيز الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحي.
كما أن إعادة تدوير المياه تعتبر حلاً لأزمة المياه المتفاقمة، إذ تحول المياه غير الصالحة للشرب إلى مياه صالحة للاستخدام في مجالات أخرى كالري والصناعات. تقلل هذه العملية من الضغط على المصادر الطبيعية والمياه العذبة وتقلل من التلوث وتحمي الأنظمة البيئية المائية.
وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لن تمنع حدوث الجفاف، إلا أنها قد تساهم في تقليل التأثيرات السلبية الناجمة عن نقص المياه، مثل المجاعة والفوضى الاجتماعية والاقتصادية.
كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في حل أزمة المياه؟
حفزت البحوث ابتكار وتحسين العديد من التقنيات التي يتم تنشيطها في حالة الطوارئ لتوفير مصادر مياه شرب نظيفة. ونذكر مثال على هذه التقنية جهاز توليد المياه الجوية atmospheric water generator -AWG- وهو حل لاستخراج المياه يخفف من المشكلة المتزايدة لنقص مستويات مياه الشرب في العالم.
يحتوي الغلاف الجوي على 3400 تريليون جالون (12870 لترًا) من بخار الماء ومن خلال تطوير تقنية تُعرف باسم مولد المياه الجوية، يوفر هذا الابتكار الحل المستدام اللازم للمساعدة في معالجة هذه الكارثة العالمية. إذ يحول هذا النظام بخار الماء إلى شكل سائل قابل للاستخدام.
مبدأ عمل جهاز AWG
يعمل جهاز توليد المياه الجوية AWG على مبدأ التجفيف حيث يستخدم مجموعة من الأملاح لسحب الماء من الهواء. وقد تم اختيار الملح باعتباره مادة تجفيف طبيعية قادرة على سحب الرطوبة واحتجازها. حيث يمر الهواء الرطب فوق خليط من الملح، بعد ذلك يتم تسخين الملح الرطب إلى درجة الغليان، بينما يتم تكثيف البخار وتوجيهه إلى الفلاتر داخل الجهاز للتشغيل. ولتوفير الطاقة، يتم استخدام فراغ لخفض درجة غليان الماء.
أو قد يعمل الجهاز باستخدام نظام الحمل القسري إذ يتكون حينها من مجموعة من العناصر الأساسية: مروحة، ومبادل حراري، ومكثف، ومضخة. تعمل المروحة على سحب الهواء من البيئة المحيطة. بعد ذلك، يدخل الهواء إلى المبادل الحراري حيث يتم تبريده، مما يؤدي إلى تكثف بخار الماء الموجود فيه. تتشكل قطرات الماء التي تُجمع في خزان خاص. يمر الهواء الممتص عبر أنابيب معدنية باردة، حيث يتعرض لدرجات حرارة أقل من نقطة الندى. هذه العملية تساهم في تكثف بخار الماء وتحويله إلى قطرات.
غالباً ما تتم الاستفادة في هذا الجهاز بهذه الطريقة من حرارة الأرض الباردة بشكل طبيعي، إذ يتم تبريد الهواء بكفاءة، مما يقلل من الحاجة إلى استهلاك الطاقة الإضافية.
ميزات ومساوئ جهاز AWG
يتميز جهاز توليد المياه الجوية الذي يعتمد على التجفيف بأنه أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من الخيارات الأخرى المتاحة في السوق إذ أنه يمكنه العمل على الطاقة الشمسية. كما يقوم جهاز توليد المياه الجوية بتعدين المياه عند خروجها من الجهاز لتحسين القيمة الغذائية والمذاق. ومن الجدير بالذكر أن الماء الناتج يكون نظيفاً وخالياً من المواد الكيميائية وغيرها من المواد الضارة. وأما عن المناطق التي يكون فيها الماء نادرًا أو ملوثًا، يمكن لجهاز توليد المياه الجوية معالجة ذلك بسرعة أيضًا.
يمكن لهذا الجهاز إنتاج ما يصل إلى 10,000 لتر من المياه يومياً. وعلى الرغم من أن هذه الكمية لا يمكن أن تعوض نظام المياه المقدم من الحكومة، إلا أنها توفر مصدرًا احتياطيًا للمياه النظيفة عند تجميع عدة آلات توليد المياه الجوية التجارية في مزرعة واحدة.
ولكن السيئة الوحيدة لهذا الجهاز أنه لا يعمل بذات الكفاءة في كل مكان. إذ يتطلب لعمله بالكفاءة القصوى وبالشكل الأمثل أن تكون درجات الحرارة أعلى من درجة التجمد بعدة درجات والرطوبة تتراوح من 32% إلى 40% حسب الشركة المصنعة للجهاز وطريقة الاستخراج.
نماذج واقعية
تمتاز تقنية توليد المياه الجوية بقدرتها على تحويل الرطوبة إلى مياه شرب نقية، وقد تم تطبيقها بنجاح في مجتمع هارد روك في أريزونا. تهدف هذه التقنية إلى معالجة مشكلة نقص المياه، حيث تنتج الآلات حوالي 200 جالون من مياه الشرب النظيفة يوميًا، مما يسهم في تحسين جودة الحياة للسكان المحليين. علاوة على ذلك، تم استخدام هذه التقنية المبتكرة في المتنزهات والشواطئ في أبوظبي، حيث توفر للزوار مياه شرب عالية الجودة خلال استمتاعهم بأوقاتهم.
خلاصة
تمثل أزمة المياه تهديدًا حقيقيًا يتطلب منا جميعًا اتخاذ خطوات جادة نحو الحلول المستدامة. فالتغير المناخي وسوء إدارة الموارد والنمو السكاني تشكل جميعها عوامل تساهم في تفاقم هذه المشكلة. ولكن، لا يزال هناك بصيص من الأمل في الأفق. تقدم لنا التكنولوجيا الحديثة، مثل أجهزة توليد المياه من الهواء، حلولًا مبتكرة تُتيح لنا استخراج المياه من مصادر غير تقليدية. ومع دمج هذه التقنيات مع ممارسات الزراعة المستدامة وإعادة تدوير المياه، يمكننا أن نخطو خطوات فعّالة نحو مواجهة هذا التحدي الكبير. فلنبدأ العمل معًا، ولنكن جزءًا من الحل!
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية
نتمنى لكم يوماً مشمساً!
المصادر: weforum, howstuffworks, research gate