تتجه السوق العالمية نحو موجة ارتفاع في أسعار الألواح الشمسية الكهروضوئية قد تصل إلى 20%بحلول نهاية عام 2025، تبعاً لخبراء، وذلك بعد سنوات من الانخفاض المستمر في الأسعار. هذا الارتفاع لا يُعد مجرّد تقلب ظرفي، بل هو انعكاس لتحولات تنظيمية وهيكلية عميقة في سلسلة التوريد العالمية، تقودها قرارات استراتيجية اتخذتها الصين – أكبر منتج للألواح الشمسية في العالم.
ومع هيمنة شركات عملاقة مثل LONGi وJinko Solar وTrina Solar على الإنتاج العالمي، فإن أي تعديل في السياسات الصناعية أو آليات التسعير داخل السوق الصيني يُحدث أثرًا مباشرًا وفوريًا على الأسواق المستوردة، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط.
ما الذي يحدث في الصين؟
- تحولات جذرية في السياسات الصينية: ما وراء ارتفاع الأسعار
على مدى سنوات، لعبت الإعانات الحكومية السخية في الصين دورًا محوريًا في تعزيز انتشار الطاقة الشمسية والرياح، مما ساهم في خفض التكاليف عالميًا وزيادة المعروض. لكن مع بداية عام 2025، بدأت الصين تحولًا جذريًا في سياستها الصناعية، مدفوعة ببلوغها أهدافًا استراتيجية قبل الموعد المحدد.
ففي نهاية 2024، وصلت السعة الشمسية المركبة في الصين إلى 887 جيجاواط، محققة بذلك هدفها لعام 2030 قبل ست سنوات كاملة، ومشكّلة أكثر من 40% من إجمالي سعة التوليد في البلاد. هذا الإنجاز التاريخي دفع الحكومة إلى إعادة النظر في سياسات التحفيز، والتركيز على ضبط السوق بدلًا من التوسع الكمي.
- من الأسعار المضمونة إلى المنافسة السوقية
أولى الخطوات التي اتخذتها الحكومة كانت تقليص الدعم لمشاريع محطات الطاقة الشمسية الجديدة، والانتقال إلى آلية تسعير تنافسية تُعرف باسم “Market-Based Bidding”، والتي تعتمد على تقديم المطورين لأقل سعر ممكن لبيع الكهرباء في مناقصات مفتوحة، دون ضمانات حكومية للأسعار.
هذا التحول يعني أن المطورين أصبحوا مضطرين إلى خفض تكاليف مشاريعهم بشكل كبير للحفاظ على الربحية، ما يؤدي إلى انتقال الضغط مباشرة إلى مصنّعي الألواح الشمسية – التي تمثل النسبة الأكبر من التكلفة.
وعلى نطاق واسع، كما هو الحال في الصين، هذا الضغط يخلق تأثيرًا مزدوجًا:
- إما ارتفاع في أسعار الألواح عالميًا إذا قلّ المعروض نتيجة انسحاب المصنعين من السوق بسبب ضعف الهوامش.
- أو تقلبات في سلسلة التوريد تؤثر على توقيت تنفيذ المشاريع وتوفير المعدات.
لذا، فإن التحول إلى آلية المزايدة السوقية لا يغيّر فقط شكل التعاقد، بل يعيد رسم ملامح التسعير في قطاع الطاقة الشمسية عالميًا، من خطوط الإنتاج في الصين إلى المشاريع الجاري تنفيذها في الشرق الأوسط.
- تنظيم سوق البولي سيليكون: ضبط الجودة ورفع الأسعار
إلى جانب تعديل آليات الدعم، نفذت الحكومة الصينية إجراءات تنظيمية صارمة في سوق البولي سيليكون – المادة الخام الأساسية في تصنيع الخلايا الشمسية – لإعادة التوازن بعد سنوات من التوسع غير المنضبط.
شملت هذه الإجراءات:
- فرض أرضية لتكاليف الإنتاج، لمنع البيع بأسعار غير مستدامة تضر بالقطاع.
- إغلاق أو تقليص عمل المصانع القديمة والمستهلكة للطاقة، بما يتماشى مع أهداف الكفاءة وخفض الانبعاثات.
- ضبط التوسع العشوائي في الطاقة الإنتاجية، عبر فرض قيود على التراخيص وتشجيع الاندماجات.
كما أعلنت الحكومة الصينية عن نية لدمج القدرات الإنتاجية لمصنعي مادة السيليكون، بهدف الحد من الفائض وتحقيق استقرار السوق.
ورغم أن الهدف من هذه الإجراءات هو تحقيق استقرار طويل الأمد ورفع مستوى الجودة، إلا أن أثرها الفوري كان واضحًا: تراجع المعروض من البولي سيليكون وارتفاع أسعارها بأكثر من 7% خلال يوليو فقط، مما تسبب في زيادة مباشرة في تكلفة تصنيع الألواح الشمسية على مستوى العالم.
مبادرة “رفض الجودة الرديئة مقابل الأسعار المنخفضة” ضمن خطة الصين الخمسية
يجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الصينية الأخيرة لا تقتصر على قطاع الطاقة الشمسية فقط، بل تأتي ضمن مبادرة وطنية أوسع تُعرف بمبدأ “رفض السعر على حساب الجودة”، وتشمل أيضًا قطاعات صناعية استراتيجية مثل السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم.
وقد تم التأكيد أن هذه المبادرة ستكون جزءًا أساسيًا من الخطة الخمسية الخامسة عشرة (2026–2030)، ما يعكس إصرار الحكومة الصينية على تصحيح مسار السوق الصناعي على المدى الطويل، وليس كإجراء مؤقت.
4. تعديل سياسة الحوافز الضريبية: السبب المباشر وراء ارتفاع بنسبة 9٪
- كانت الحكومة الصينية تمنح المصدرين حافزًا ضريبيًا بنسبة 13% على صادرات الألواح الشمسية، ما ساعدهم على تقديم أسعار تنافسية عالميًا.
- في ديسمبر 2024، تم خفض النسبة إلى 9%، لكن الأثر كان محدودًا بسبب انخفاض أسعار المواد الخام في ذلك الوقت.
- الآن، ومع نية الحكومة المؤكدة لإلغاء هذا الحافز كليًا، ستتحمل الشركات المصدّرة فرق 9% بشكل مباشر، مما سيرفع الأسعار النهائية للألواح بالقيمة نفسها على الأقل.
- وقد ترتفع الأسعار لأكثر من 9% إذا ترافق ذلك مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الخام أو اختناقات في سلاسل التوريد.
في اجتماع مع لونجي LONGi: ملامح المرحلة المقبلة

ضمن جولة نظمتها شركة لونجي LONGi إلى مقرها الرئيسي في الصين، شاركت سولارابيك في اجتماع جمع الشركة مع نخبة من مطوري المشاريع، والمقاولين EPC، ومستشارين من الشرق الأوسط، لمناقشة تداعيات هذا التحول على السوق.
خلال الاجتماع، أكدت لونجي LONGi أن ارتفاع الأسعار قادم لا محالة، مع تقديرات تشير إلى زيادة بنسبة 9% بحلول سبتمبر. وأوضحت أن السوق يواجه الآن خيارين:
- خفض الجودة للحفاظ على الأسعار المنخفضة.
- أو الحفاظ على الجودة العالية مع تحمّل الزيادة السعرية.
كما أشار ممثلو لونجي إلى أنهم يقدمون خيارات متعددة من حيث نوع الألواح والأسعار، لتناسب احتياجات الأسواق المختلفة دون المساومة على الأداء، خاصة في المناطق ذات الظروف المناخية القاسية مثل الشرق الأوسط.
وجهة نظر شركات المقاولات EPC: بين ضغط العملاء وضرورة الجودة
أعرب ممثلو شركات المقاولات EPC عن قلقهم من صعوبة تمرير الزيادة في أسعار الألواح الشمسية إلى العملاء النهائيين، خاصة في مشاريع تم توقيع عقودها بالفعل. ومع ذلك، أجمع الحاضرون على أن خفض الجودة ليس خيارًا ممكنًا في ظل الظروف البيئية الصعبة التي تواجهها المشاريع في المنطقة.
المطورون تحت ضغط العقود القديمة: أهمية بند “تعديل الأسعار”
عبّر عدد من المطورين عن قلقهم الشديد تجاه المشاريع التي تم توقيع عقودها منذ فترة طويلة ولم يبدأ تنفيذها بعد. إذ أن أسعار الألواح تُطبّق بناءً على تاريخ الشحن، وليس تاريخ إصدار أمر الشراء، مما يعرّض هوامش الربح للخطر أو حتى الانعدام الكامل في بعض الحالات.
ونحن في سولارابيك نؤكد على أهمية تضمين بنود حماية الأسعار والتغيرات التنظيمية في العقود، لتفادي المخاطر الناتجة عن تقلبات السوق أو السياسات. وفي حال عدم وجود هذه البنود، نوصي المطورين باتباع أحد الخيارين:
- الإسراع في إصدار أوامر الشراء وتحمل تكاليف التخزين مؤقتًا لتثبيت السعر قبل الزيادة المرتقبة.
- إعادة التفاوض على العقود الحالية لإدخال بنود حماية، إن سمح الإطار القانوني والتجاري بذلك.
بنود تعاقدية موصى بها لحماية المطورين:
- بند تعديل الأسعار (Price Adjustment Clause)
يتيح إعادة تسعير المشروع وفقًا لمتغيرات محددة، مثل:
- تاريخ الشحن الفعلي.
- تقلبات أسعار المواد الخام أو تغييرات في الضرائب أو الشحن.
- تاريخ الشحن الفعلي.
- بند تغيّر القوانين والسياسات (Change in Law / Policy Clause)
يحمي الطرفين في حال حدوث تغييرات تنظيمية أو حكومية تؤثر على الجدوى المالية، مثل:
- تعديل أو إلغاء الإعفاءات الضريبية.
- فرض رسوم جديدة أو قيود تصدير.
ويمنح الحق بإعادة التفاوض أو تعديل شروط العقد.
- تعديل أو إلغاء الإعفاءات الضريبية.
- بند غرامة الإلغاء بسبب تغيّر السياسات (Reverse Termination Fee Clause)
يُستخدم لحماية استثمار المطور، بحيث ينص على تحمّل مالك الأصل (أو العميل) لغرامة تصل إلى 10% من قيمة العقد إذا قرر الانسحاب من الاتفاق بعد توقيعه نتيجة تغيّر السياسات أو التكاليف.
تساعد هذه البنود في تحقيق استقرار مالي وقانوني ضمن بيئة تتسم بالتقلبات السريعة، مثل تلك الناتجة عن تغيرات الدعم والضرائب في السوق الصيني.
شركات المقاولات EPCs والمطورون: الجودة لم تعد خيارًا إضافيًا
في ظل تراجع الفروقات في تكلفة التصنيع بين الموردين، بات من المهم أن يركز المطورون وشركات المقاولات EPC على جودة الألواح وليس فقط على سعرها. فالتوجه نحو ألواح منخفضة الجودة سعياً لخفض التكاليف قد يؤدي إلى:
- تراجع عوائد المشروع على المدى الطويل.
- مشاكل في الأداء أو حتى مخاطر تتعلق بالسلامة الكهربائية.
🔺 وهذا ما أكدته شركة لونجي LONGi خلال الاجتماع الأخير، حيث شددت على أن الجودة يجب أن تظل الأولوية في أسواق الشرق الأوسط ذات الظروف المناخية الصعبة.
توصيات لسوق الشرق الأوسط
- للمطورين: لا تؤجلوا قرارات الشراء، فإن سوق الألواح مقبل على تحول سعري قد يغيّر معادلة الجدوى المالية.
- لشركات المقاولات EPC: حافظوا على الشفافية مع العملاء، وبيّنوا أثر التغيرات العالمية على تكلفة المشروع وجودته.
- الممولين والمستثمرين: راجعوا شروط العقود وتأكدوا من وجود مرونة تسعيرية تحمي المشروع من تقلبات السوق.
في ظل هذه التحولات، سيكون التحرك السريع والتخطيط الاستباقي هما الفارق بين الربح والخسارة. ومن يمتلك رؤية واضحة واستجابة مرنة، سيكون في موقع أفضل لمواكبة المرحلة القادمة بثقة وفعالية.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!