في 20 أبريل 2010 ونتيجة لعطل تقني وقعت حادثة انفجار منصة ديب واتر هورايزن – Deepwater Horizon الواقعة في خليج المكسيك والتابعة لشركة «British Petroleum» النفطية ونتج عنه أكبر تسرب للنفط في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
أدى هذا الانفجار لتسرب 130 مليون برميل من النفط الخام في المياه مما جعله من أسوأ الكوارث البيئية في تاريخ العالم. كما أودى هذا الانفجار بحياة أحد عشرة (11) عاملاً و الملايين من الثديات البحرية والسلاحف والطيور والأسماك أيضاً، وبقي العالم طيلة 87 يوماً يشاهد هذه الكارثة البيئية دون حراك.
وبعد عقد من الزمن كان من الواضح أن عدة أنواع من الشعب المرجانية و أسماك السلمون المرقطة وغيرها لاتزال تعاني من آثار التلوث الذي حصل وعددها أصبح أقل من ذي قبل . بالمقابل أظهر عدد من أسماك «المينهادن – menhaden» والبجع البني الذي يعد رمزاً لولاية لويزيانا انتعاشاً قوياً .
صرح بعض العلماء أنه لا يزال باكراً تحديد التأثير الذي حدث للأنواع ذات العمر الطويل مثل الدلافين والحيتان والسلاحف البحرية.
تقول سينثيا سميث وهي طبيبة بيطرية في المؤسسة الوطنية للثدييات البحرية ” بناءً على أبحاثنا حتى الآن لا نعلم إذا كانت الثدييات البحرية على قيد الحياة في الخليج أثناء تسرب النفط، أما الحيوانات التي لم تولد بعد فهذه هي الأمل “
وسميث هي أحد العلماء الذين تمحورت حياتهم المهنية حول هذا الحدث، حيث تم تمويل هذه الأبحاث من قبل أمن الطاقة في خليج المكسيك و مبادرة أبحاث خليج المكسيك وحصلت الأبحاث على تمويل يقدر بـ 16 مليار دولار من التسوية بين شركة بريتش بتروليوم ومكتب الأمن القومي وحكومات الولايات المتحدة كل ذلك مكن مجموعة كبيرة من الباحثين من القيام بمشاريع طويلة الامد لدراسة كيف يؤثر التسريب على الحياة في الخليج.
وبعد عقد من المراقبة الدقيقة تشعر سميث هي وزملائها أصبح لديهم صورة واضحة لما يحدث مع أكثر أنواع الحيتان والدلافين . حيث توفي ما يقارب ألف دلفين في الأشهر الأولى التي تلت التسرب بعد أن تناولوا سموم النفط، ويبدو أن كثيرين آخرين مرضوا منذ ذلك الحين.
تقول سميث أيضاً منذ عشر سنوات حتى الآن لانزال نشهد أعلى معدلات فشل في حالات الإنجاب، أمراض الرئة، الأمراض القلبية، والضعف العام بالإضافة لحالات الموت من الدلافين .
من المثير للاهتمام كما يقول سميث أن هذه الأعراض ظهرت على البشر أيضاً، حيث وجدت دراستان تم نشرهما عام 2018 وجود صعوبة بالتنفس وضعف بوظائف الرئة والقلب بين عمال التنظيف وخفر السواحل الذين كانوا على اتصال مباشر مع النفط .
تقول سميث: ” ليس من الضروري أن ما يحدث للدلافين يحدث للبشر أو ما يحدث لنا ينطبق على الدلافين لكن حياتنا تتداخل ونحن في هذه المساحة معاً وهناك الكثير لنتعلمه “
ديب واتر هورايزن وتأثيره المغير معروف
تذكر كايتلين فريزر اليوم الذي حصلت فيه على الدكتوراه عام 2010 حيث أخبرها المستشار أنها يجب أن تركز في دراستها على التسرب الأخير للنفط الذي في حدث في خليج المكسيك .
فرايزر لم تكن تتخيل إلى أين ستأخذها هذه الرحلة ، أما اليوم فهي باحثة مساعدة في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في جامعة كاليفورنيا – سان دييغو، وقضت العقد الماضي في الاستماع إلى إشارات الحياة في الخليج الخاصة بالثدييات البحرية .
تقول فريزر : ” لا يمكننا رؤية قاع البحر لذلك لانعرف حقاً كيف أثر النفط على الحيتان ” ، ومن الصعب معرفة ما إذا كان النفط من الرواسب التي يتم إعادة تحليلها في الماء وتؤثر على طعام الحيتان .
خليج المكسيك
يعد خليج المكسيك موطن 21 نوعاً من الثدييات البحرية النادرة وهذا ما يجعل العلماء يستمعون للأصوات التي تصدرها هذه الحيوانات فيكتشفون أنها لاتزال نشطة بعد عدة سنوات من تسرب النفط وأيها انخفض صوته .
أحد الأنواع التي انخفض صوتها هي الدولفين المرقط المداري وتقول فريزر أنها متفاجئة لأنهم كانوا شائعين جدا حيث كان يطلق عليهم الفئران لأنها كانت تزحف في جميع أنحاء الخليج ، والآن توضح البيانات الصوتية أن العدد أصبح أقل.
أما النتائج ليست واضحة بشكل كافي للعديد من الأنواع الأخرى وهذا يعود نسبياً إلى أن العلماء لا يعرفون سوى القليل من عادات الكثير من الثدييات البحرية قبل التسرب لذلك يواجهون صعوبة في اكتشاف التغييرات من البيانات الحالية .
فعلى سبيل المثال يصدر حوت العنبر القزم (dwarf sperm whale) أصوات نقرات قصيرة عالية النبرة ولايمكن حتى الآن تفسير هذه الأصوات بعد أن ربطتها العالمة فريزر بها. بالمقابل لم يتم رصد حيتان العنبر التي تصدر نقرات أطول وذات تردد منخفض بالقرب من موقع التسريب وهذا قد يوضح أنها انتقلت فقط .
وتعد الثديات البحرية أحد المؤشرات الهامة للصحة العامة في المحيطات لذلك فإن دراستها تخبر العلماء كثيرا عن بيئتها .
وتقول فريزر : ” لدينا كل هذه الأنواع المختلفة من الألغاز ، ولكن من الصعب معرفة كيف تتناسب مع بعضها البعض “
تأثير كارثة ديب واتر هورايزن على قاع البحر
تجلس بعض الحيوانات المعمرة (الشعب المرجانية) في صمت مطلق في قاع البحر بينما يدرس بيتر إيتنوير عالم الأحياء البحرية في مختبر هولينجز التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) الشعب المرجانية في أعماق البحار وتبعاً للمسح الذي جرى لقاع البحر كان بعضها مزدهراً جداً قبل تسرب النفط ، أما بعد التسرب فقد وجد العلماء نصف تلك الشعب.
يقول إتنوير: ” لا نعلم كم من الوقت ستستغرق هذه المستعمرات لتتعافى، حيث إنهم ينمون ببطء شديد فإن عمر الشعب التي وجدناها مصابة تتراوح بين عشرات إلى مئات السنين .
تعد الشعب المرجانية موطن للعديد من الحيوانات البحرية مثل الروبيان وسرطان البحر وسمك الهامور (القُشر – Grouper ) والنهاش فهي تعتبر مراقب بيئي صغير يتم تسجيل الظروف من خلالها بمرور الوقت .
يستعد إتنوير وفريقه لمواجهة الكوارث المستقبلية من خلال رسم خرائط مرجانية في أعماق البحار، وتطوير قاعدة بيانات مرجانية بأكثر من 750.000 سجل حتى الآن .
كما لديهم خطة عمل مدتها سبع سنوات للمساعدة بعودة الشعب المرجان حيث سيتم الغوص إلى قاع البحر باستخدام الغواصين أو مركبة تعمل عن بعد واستنساخها أو نقل بضع مئات من هذه الشعب من مكان إلى آخر.
كما وضح ” ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها محاولة زرع هذه الشعاب المرجانية على نطاق صناعي “
انتكاسة للسلاحف المهددة بالانقراض
يعد خليج المكسيك موطن لخمسة أنواع من السلاحف البحرية، وكلها محمية بموجب قانون الأنواع المهددة بالانقراض
تتجول السلاحف جلدية الظهر (سلحفاة العود) وسلاحف منقار الصقر الأطلسية في المياه البحرية بينما تتغذى السلاحف البحرية الضخمة والخضراء وسلاحف البحرية في جزيرة كيمب ريدلي التي تكون في البيئة القريبة من الشاطئ .
وأجريت دراسة عام 2017 أن ما لا يقل عن 402,000 سلحفاة بحرية تعرضت للنفط أثناء التسرب، 51 % كانت من سلاحف كيمب ريدلي وهي الأصغر والأكثر تعرضاً للخطر .
قبل تسرب النفط كان من المتوقع أن ينمو عدد سلاحف كيمب ريدلي بمعدل 19 % سنوياً، وعلى عكس المتوقع انخفض عدد الأعشاش على شواطئ الخليج بنسبة 35% بين عامي 2009 و 2010 وانخفض مرة أخرى في عام 2013 وفقا لدراسة أُجريت عام 2016. وتشير هذه الدراسة أيضا إلى أن إناث كيمب ريدلي كافحت للحفاظ على الوزن والصحة اللازمة للتكاثر.
وتم توقيع نسخة جديدة عام 2014 من خطة الاتحاد لإنعاش سلاحف كيمب ريدلي بعد تسرب النفط، ونتج عن هذه الخطوة محمية جديدة لتعشيش السلاحف على شواطئ تكساس والمكسيك ، ووضع شروط بحيث يستخدم صائدوا الروبيان في الخليج وسائل وأدوات تمنع التقاط السلاحف بالشباك.
بقعة مشرقة للطيور
يقول إريك جونسون مدير حماية الطيور في أودوبون لوزيانا – Audubon Louisiana إن الطيور كانت من بين أكثر الحيوانات تضرراً بعد تسريب النفط مباشرةً.
فنحن نعلم أن عدد الطيور المصابة من مختلف الأنواع يتراوح بين مئة ألف لمليون، لسوء الحظ لن نعرف الرقم الحقيقي أبدا.
بعد الطيور ماتت مباشرة بعد تعرضها للنفايات النفطية ولكن البقية ماتت في وقت لاحق بعد أن أظهرت التحليلات على ريشها وجود معدلات عالية السرطانات المرتبطة بالنفط وبالإضافة لمشاكل الإنجاب، وانخفاض القدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم بسبب تلف الريش وفقا للدراسة التي أُعدت عام 2020.
ولكن مثلما كانت الطيور بشكل عام أكثر دماراً في بعض الحالات يبدو أنها تتعافى بشكل أفضل.
تم استخدام أموال التسوية في استعادة جزيرة كوين بيس في لويزيانا كموطن للطيور، وتم الانتهاء من المشروع في فبراير الماضي، ويعد نجاح للبجع البني، حيث يتواجد ما يصل إلى 20% من سكان الولاية هناك جنباً إلى جنب مع النعام الكبير ، أبو ملعقة الوردي ، الخرشنة الملكية و المالك الحزين ثلاثي الألوان .
الأسماك النفطية
ما كان قد حدث للطيور يعد نعمة لبعض الأسماك ، حيث يعتقد العلماء أن نقص الطيور في سماء خليج المكسيك هو أحد أسباب انتشار بعض جماعات الأسماك بعد التسرب .
كان هناك ضعف العدد المعتاد في السنوات التي تلت التسرب كما كان الحال في اربعة عقود من قبل على الأرجح بسبب غياب العديد من الطيور التي تأكل الأسماك.
وأظهرت أنواع أخرى من الأسماك أنها تضررت من تسرب النفط، بما فيها سمك الحفش الخليجي والذي يشكل حوالي ثلثي الأسماك الموجودة في الخليج ويعتبر أحد الأنواع المهددة بالانقراض.
كما وجدت الدراسات حول القيمة الاقتصادية للتروت المرقط والطبل الأحمر أن الأسماك في المناطق النفطية انخفضت معدلات التكاثر الخاصة بها وحتى بعد سنوات من التسرب لا يزال النفط المتبقي في البيئة ساماً لصغار السمك.
كما وجدت الأبحاث الحديثة التي اختبرت 2500 سمكة مختلفة في جميع أنحاء الخليج دليلاً على التعرض للنفط في كافة الأنواع البالغ عددها 91 نوعاً مما يشير إلى أن آثار التسرب منتشرة ومستمرة .
التطلعات المستقبلية ما بعد ديب واتر هورايزن
قد يستغرق الأمر عقوداً لفهم كيف يؤثر النفط على الجيل التالي من الحيتان والسلاحف البحرية والطيور والأسماك وغيرها.
بالنسبة إلى سميث وفرايزر وإيتنوير وغيرهم من المشاركين في أبحاث تسرب النفط أصبح هذا الحدث مهنتهم.
وسيتم تكريس أبحاثهم لرصد وفهم الخليج لسنوات عديدة قادمة – خاصة إذا كانت هذه البيئة لا تزال ضعيفة.
في مايو من عام 2019 ألغت وزارة الداخلية الأمريكية لوائح السلامة للحفر البحري الذي تم وضعه لمنع تكرار التسرب في المياه العميقة.
في نفس الوقت كان هناك توسعات لمناطق الخليج المحمية ،مثل المحمية البحرية الوطنية لبذور الزهور .
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة…
نتمنى لكم يوما مشمساً!
المصدر: National Geographic