تعمل الشبكة الكهربائية بشكل مستمر على تأمين حاجة المستهلكين من الكهرباء بشكل متواصل، ولكنها خلال عملها تتعرض لأعطال بعضها يمكن إصلاحه فوراً وبعض الإصلاحات تتطلب وقتاً أطول، ولكن هل يمكن أن تتوقف الشبكة الكهربائية عن العمل بشكل كامل؟ ما هي الأعطال التي تتسبب بـ «الإظلام التام – blackout»؟ وكيف يمكن أن تعود الشبكة للعمل؟
نتعرف اليوم على ظاهرة «الإظلام التام – blackout» التي قد تحدث في أي شبكة كهربائية ويكون نتيجتها انقطاع التغذية الكهربائية بشكل كامل عن جميع المستهلكين.
الإظلام التام – blackout
يعرف انقطاع التيار الكهربائي «الإظلام التام – blackout» بأنه الانهيار التام للشبكة الكهربائية، بسبب مجموعة من العوامل التي أدت إلى اختلال كبير بالتوازن بين كمية الطاقة المولدة وكمية الطاقة المستهلكة.
ويختلف الإظلام التام عن القطع الجزئي الذي قد يكون اختيارياً (يقوم به مشغلو الشبكة) لغايات الصيانة أو تخفيف الأحمال أو إجبارياً نتيجة حصول قطع في الكابلات الناقلة للكهرباء.
شبكة الطاقة الكهربائية
قبل أن نتطرق للتحدث عن «blackout»، سنتعرف على شبكة الطاقة الكهربائية، وطريقة عملها بين محطات التوليد والأحمال المستهلكة.
تتألف شبكة الطاقة مما يلي:
مجموعات التوليد:
مجموعة من محطات توليد الطاقة الكهربائية (الغازية، البخارية، الوقود الأحفوري، الفحم الحجري، النووية، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة الكهرومائية…الخ).
الأحمال:
هي مراكز استهلاك الطاقة الكهربائية وتتنوع بين (المنزلية، التجارية، والصناعية).
شبكة التوزيع:
وهي عبارة عن مجموعة الكابلات والمحولات (التي تقوم بتحويل برفع وخفض الجهد حسب موقعها)، وتقوم بنقل الطاقة من مجموعات التوليد إلى الأحمال.
مركز التحكم بالشبكة:
يقوم مركز التحكم بالشبكة الكهربائية بالعمل كموزع لطاقة، حيث يتم مراقبة الأحمال بشكل دائم واتخاذ إجراءات معينة بما يتعلق بفصل مجموعات توليد أو تشغيلها وفقاً لارتفاع قيمة الحمل أو انخفاضه، كما تتدخل في حالة الأعطال لتوجيه المحطات لزيادة التوليد (زيادة تدفق البخار مثلاً في المحطات البخارية) لتغطية الأحمال.
لا تقوم الشبكة بأي عملية تخزين للطاقة، حيث يتم الموازنة بين التوليد والطلب بشكل مستمر ليتم المساواة بينهما بشكل دائم وذلك بالاعتماد على منحنيات توقع الأحمال والدراسات.
مؤخراً، ومع الانتشار الواسع لأنظمة الطاقة المتجددة والتطور الواسع لمختلف التقنيات، بدأت أنظمة تخزين الطاقة تشكل جزءاً من شبكة الطاقة الكهربائية والتي تمنح مرونة أكثر للعمل وإمكانية التحكم بشكل أكبر باستخدام الطاقة المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة.
[bsa_pro_ad_space id=3]
أسباب «الإظلام التام – blackout»
تختلف أسباب حدوث «الإظلام التام – blackout» ولا يمكن حصرها بسبب معين وحيد فقد يحدث أثناء العواصف الطبيعية الكبيرة (أعاصير، موجات حر، عواصف رعدية، أمطار شديدة.. الخ)، أو حدوث انقطاع في الكابلات، أو خلال فترات الصيانة بسبب خطأ يدوي.
عند حدوث ذلك تخرج محطة ما عن الخدمة ولا تستطيع باقي المحطات تغطية الأحمال فتتدخل الحمايات الخاصة بالمحطات وتفصل المحطات تدريجياً لحمايتها من تذبذب التردد وبالنتيجة خروج الشبكة الكهربائية عن العمل وحدوث «الإظلام التام – blackout».
ويمكن أن نصنف الاعطال على سبيل الذكر لا الحصر كالتالي:
- العواصف الثلجية.
- العواصف الصيفية.
- الأعاصير.
- الرياح ذات السرعة العالية.
- خلل في المحطات الفرعية.
- فشل في خطوط النقل.
- عواصف برقية.
- موجات الحرارة العالية.
- الزلازل.
- الفيضانات.
- الصواعق.
- انفجارات الغاز الطبيعي.
- حوادث الحرب.
- الهجمات الإرهابية.
- العواصف الرملية.
- قطع الكابلات تحت سطح البحر.
- أثناء عمليات الصيانة أو استبدال خط.
- أثناء عمليات الاختبار على الشبكات بدون دراسة وتحليل جيد للأحمال.
كيف يتم استعادة الشبكة بعد حدوث «الإظلام التام – blackout»؟
لكي نولّد كهرباء فإننا نحتاج إلى كهرباء، لذلك وبعد خروج المحطات عن الخدمة فإننا نحتاج إلى طاقة قد تصل إلى عدة ميجاواط فقط لتشغيل الأنظمة المساعدة للمحطة (الإنارة، أنظمة التبريد، المضخات، الضواغط، أجهزة التحكم،…الخ).
ويمكننا استعادة الشبكة بإحدى الطرق التالية:
- تحتوي بعض المحطات على وحدات توليد ديزل (مولدات ديزل) خاصة بفترة الإقلاع بعد الإظلام التام تعرف باسم (black start). تقوم هذه الوحدات بتوليد الطاقة الكافية لتشغيل المحطة الموجودة فيها ومن ثم يظهر إنتاج هذه المحطة على الشبكة والتي تستخدم لتشغيل الأنظمة المساعدة للمحطات الأخرى.
- يمكننا الاعتماد على أنظمة الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح،…الخ) والتي لا تحتاج إلى طاقة كهربائية لتعمل كما يمكن الاعتماد على أنظمة التخزين لتشغيل محطة ما.
- يمكننا الاستفادة من الربط الدولي لتمرير كمية من الطاقة إلى الشبكة من الدول المجاورة، وتكون كافية لتشغيل مساعدات محطات التوليد لكي تبدأ هي بالتوليد.
بعد ذلك يتم اتباع الخطوات التالية:
- التوسع في إدخال المحطات الغازية حيث أن مساعداتها لا تحتاج لقدرة عالية لبدء التشغيل.
- تشغيل المحطات البخارية الضخمة بواسطة القدرة المولدة من وحدات التوليد الغازية.
- إطلاق الجهد على شبكة التوتر العالي بدون توصيل أي نوع من الأحمال (تشغيل المحطات بلا حمل).
- البدء في توصيل الأحمال تدريجياً لضمان ثبات الجهد والتردد.
- التوسع في إدخال محطات التوليد تدريجياً مع تقيم الشبكة إلى مناطق منفصلة، بمعنى تقسيم الأحمال على المحطات الأقرب منها دون اتصال بين هذه المناطق، وثم تجهيز المناطق المنفصلة للربط وإعادة تكوين الشبكة مع مراعاة شروط التزامن.
كيف نتجنب حدوث «الإظلام التام – blackout»؟
يتشابه السيناريو الذي يحصل دائماً مع اختلاف الأسباب المؤدية للانقطاع، يحدث انهيار لجزء من أجزاء النظام (محطة أو خطوط النقل أو محول أو عوازل إلخ..) مما يؤدي لانهيار متتالي لباقي الأجزاء، والفشل المتتالي في المحطات وخطوط النقل يؤدي لتفاقم المشكلة بشكل كبير وسريع، حتى الوصول إلى «الإظلام التام».
لا يوجد حل وحيد لتفادي هذه المشكلة ولكن يمكن اتخاذ إجراءات قد تقلل مستقبلاً من احتمالية حدوثه كبناء محطات إضافية، يمكن للمحطات أن تتحمل أن تغطي بدل أي محطة خرجت عن الخدمة، إعادة دراسة الشبكة وتحليل الأحمال مع إجراءات محاكاة للشبكة بشكل متكرر للتعرف على المشاكل التي يمكن أن تطرأ فجأة، والصيانة الدورية للمحطات وخطوط النقل، بالإضافة للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بشكل أكبر والتي لا تحتاج إلى مساعدات إضافية لتعمل كما قد تساعد أنظمة تخزين الطاقة على الاستغلال الأفضل لمصادر الطاقة المتجددة من خلال إمكانية توزيع الطاقة المولدة خلال فترات الأحمال المختلفة.
الطاقة المتجددة و«الإظلام التام – blackout»
تتوجه أصابع الاتهام نحو مصادر الطاقة المتجددة كمسبب لحدوث «الإظلام التام»، كما حدث في انقطاع تكساس 2021، بعد تجمد عنفات الرياح، مع العلم أن إجمالي توليد الكهرباء في تكساس يتوزع بالشكل التالي:
- الرياح 20٪.
- الغاز الطبيعي 47.4٪.
- الفحم 20.3٪.
- الطاقة الشمسية 1.1٪.
كان هناك انقطاع ممتد للتيار الكهربائي بسبب انقطاع أجزاء كبيرة من إمدادات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بسبب الطقس ومصادر التوليد من جميع الأنواع. جمدت من البرد القارس.
بول غويدان، الشريك الرئيسي في Boston Consulting Group الذي يقود ممارسات الطاقة في الشركة في أمريكا الشمالية
وعلى النقيض من ذلك الادعاء، يمكن للاستخدام المستمر واستثمار الطاقة المتجددة أن يساعد بشكل حاسم في إبطاء آثار تغير المناخ، الذي يؤدي إلى أنماط مناخية أكثر حدية.
تعمل طاقة الرياح بشكل موثوق للغاية في درجات الحرارة الباردة جدا، بما في ذلك مناطق القطب الشمالي العليا في فنلندا والنرويج والسويد.
بنجامين سوفاكول، أستاذ سياسة الطاقة في جامعة ساكس، لمجلة نيوزويك
يمكن أن تلعب مصادر الطاقة المتجددة دوراً أساسياً للتقليل من مشاكل الإظلام التام إن لم تستطع تفاديه فمع الانتشار الواسع لأنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها والتي لا تحتاج لأي مساعدات لكي تعمل فيمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في تشغيل المحطات الكبرى (الغازية مثلاً) أثناء عملية استعادة الشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى أن أنظمة تخزين الطاقة التي تنتشر حالياً ويتم العمل بشكل مستمر على تطويرها سواء كانت تخزين بالبطاريات أو بالهيدروجين أو بطرق التخزين المختلفة فإنها قد تساعد يوماً ما في تفادي حدوث الإظلام التام من خلال تعويض النقص في الطاقة المولدة بشكل لحظي وسريع.
أمثلة على حالات «الإظلام التام – blackout»
غرب الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، 1996
أدت دارة قِصر بين أحد خطوط الشبكة الكهربائية وأغصان الأشجار الغير مقلمة القريبة منها لحدوث انقطاع في التيار الكهربائي «blackout» كبير شمل سبع ولايات غرب الولايات المتحدة الأمريكية ومقاطعتين كنديتين، وفقد ما يقرب 7.5 مليون عميل الطاقة لفترات تتراوح بين عدة دقائق وتصل إلى ست ساعات.
الولايات المتحدة الأمريكية وأجزاء من كندا، 2003
في عام 2003 حدث انقطاع للتيار الكهربائي «blackout» في كل من في الولايات المتحدة الأمريكية وأجزاء من كندا، وخرج من الخدمة ما يقارب 63 جيجا واط من الأحمال وتأثر 50 مليون نسمة من انقطاع التيار الكهربائي.
حيث فصلت 531 وحدة توليد و400 خط نقل كهربائي والسبب في ذلك هو عدم استقرار الجهد في الشبكة الكهربائية نتيجة لنقص القدرة التوليدية، بسبب خلل برمجي في نظام الإنذار بغرفة التحكم التابعة لشركة «فيرست سولار – First Solar».
مدينة ويتشيتا بولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية، 2019
تعد السناجب إلى حد كبير السبب الطبيعي الأكثر شيوعاً في المنطقة لحدوث الإظلام التام «blackout». فمن المعروف أن السناجب تقضم العوازل وتحفر في المحطات الفرعية.
في 2019، تسببت سنجاب «blackout»عن أكثر من 6000 عميل في مدينة ويتشيتا بولاية كنساس.
سان دييغو، كالفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية، 2019
غالباً ما تستخدم الطيور الكبيرة مثل الطيور الجارحة والبجع خطوط الكهرباء وأعمدة المرافق كمهبط للبحث عن الطعام.
ولسوء الحظ، يمكن أن يؤدي هذا السلوك غالباً إلى صعق الطائر بالكهرباء وقد ينتجه عنه انقطاع في التيار الكهربائي «blackout». وفي بعض الحالات، لا يكون الطائر المتسبب الرئيسي. فقد تم الإبلاغ عن العديد من حالات الانقطاع بسبب أعشاش الطيور وفضلاتها.
تسبب طائر واحد في انقطاع التيار الكهربائي في سان دييغو، عام 2019 عن أكثر من 24000 عميل.
ولاية أوهايو الولايات المتحدة الأمريكية، 2019
على الرغم من أنها ليست شائعة مثل السناجب أو الطيور، إلا أن حيوانات الراكون لها دور في التسبب بالأضرار التي تلحق بخطوط الكهرباء.في 2019، وجد حيوان الراكون طريقه إلى قاطع التيار وقطع التيار الكهربائي عن حوالي 10000 عميل. كان حيوان الراكون أيضًا سبب انقطاع الخدمة على نطاق واسع في منطقة ألتونا، بنسلفانيا في أوائل عام 2019.
ولاية كنتاكي الولايات المتحدة الأمريكية، 2019
تسبب ثعبان كبير في «blackout» استمر 24 ساعة في عام 2019 في ولاية كنتاكي، حيث تم العثور على الثعبان ملتفاً حول المحول.
تكساس، الولايات المتحدة الأمريكية، 2021
عانت ولاية تكساس من أزمة طاقة كبرى، والتي حدثت نتيجة لثلاث عواصف شتوية شديدة اجتاحت الولايات المتحدة في 10-11 فبراير مما أدى لحدوث قطع عما في التيار الكهربائي «blackout» في ولاية تكساس، وما نتج عن ذلك من نقص في الماء والغذاء والحرارة.
وتم ترك أكثر من 4.5 مليون منزل وشركة بدون كهرباء لعدة أيام. وأدى ذلك لموت ما لا يقل عن 151 شخصاً بشكل مباشر أو غير مباشر.
المملكة الأردنية الهاشمية، 2021
بدأ انقطاع التيار الكهربائي في كل من عمان والزرقاء وأربد، ثم امتد لباقي مناطق المملكة ليشمل كل المدن والقرى، ولم تعرف الأسباب الحقيقية وراء الانقطاع.
وصرح مدير عام شركة الكهرباء الوطنية في الأردن الدكتور أمجد الرواشدة، خلال مؤتمر صحفي بالمشاركة مع وزيرة الطاقة الأردنية المهندسة هالة زواتي، إن الأسباب التي قد تكون أدت إلى تذبذب التيار الكهربائي عن الشبكة كثيرة منها دخول أو خروج حمل على التيار، أو يمكن أن يكون بسبب طائر كبير.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!
المصادر: electrical-engineering-portal / science.howstuffworks / reuters / arabic.rt /critterguard / 10news / energuide