تسعى تونس إلى استغلال مواردها الطبيعية الغنية بالطاقة المتجددة لتخفيف العبء الناتج عن العجز الطاقي الذي يثقل كاهل الدولة والمواطنين والصناعيين على حد سواء، وذلك لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة. وقد أكدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية، فاطمة ثابت شيبوب، أن الحد من هذا العجز يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف لتحسين كفاءة الطاقة وتحويل التكاليف المرصودة لدعم الطاقة إلى مشاريع البنية التحتية والصحية.
تتمتع تونس بموقع جغرافي استراتيجي يؤهلها لتكون جسرًا بين أوروبا وأفريقيا، وتزخر بموارد طبيعية هائلة تجعلها قادرة على إحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة المتجددة. بفضل الإشعاع الشمسي العالي والرياح القوية التي تهب على سواحلها، تبدو تونس مهيأة لتكون رائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وفي هذا السياق، يُعد تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر خطوة حاسمة لتحقيق هذا الهدف. بالتعاون مع شركاء دوليين مثل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وشركات كبرى مثل «توتال – TotalEnergies» و «أكوا باور – ACWA POWER» وغيرهم، أطلقت الحكومة التونسية عدة مشاريع تهدف إلى تعزيز هذا القطاع الواعد، مما يساهم في تقليل العجز الطاقي وزيادة العائدات الاقتصادية وتحقيق الاستدامة البيئية. سيسلط هذا التقرير الضوء بشكل شامل على جميع جوانب صناعة الهيدروجين الأخضر في تونس، متناولًا المشاريع الحالية، والتحديات، والتوقعات المستقبلية لهذه الصناعة الواعدة.
المشاريع والبرامج البارزة للهيدروجين الأخضر
أطلقت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) مشروع الهيدروجين الأخضر لخدمة التنمية المستدامة والاقتصاد الخالي من الكربون. يهدف هذا المشروع إلى تحقيق الحياد الكربوني في تونس، ويرتكز على أربعة محاور رئيسية:
- إعداد استراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر في تونس: لوضع خطة شاملة لدمج الهيدروجين الأخضر في النظام الطاقي الوطني.
- دعم إنشاء اقتصاد الهيدروجين الأخضر: لخلق بيئة اقتصادية مواتية لنمو هذا القطاع.
- دعم البحث والتدريب والابتكار: لتطوير تقنيات الهيدروجين الأخضر من خلال البحث والابتكار وبرامج التدريب.
- إنشاء مركز تكنولوجيا تونسي-ألماني للهيدروجين الأخضر: لتعزيز التعاون التكنولوجي وتبادل المعرفة في هذا المجال.
مشاريع الاستثمار الأجنبي
وقعت تونس عدة اتفاقيات مع شركات دولية لتعزيز قطاع الهيدروجين الأخضر، من أبرزها:
- مشروع الهيدروجين الأخضر لشركة أمياباور: تخطط الشركة لإنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميجاواط، باستثمار يتراوح بين 130 و140 مليون دولار. سيتم تمويل المشروع من قبل مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والبنك الأفريقي للتنمية.
- مشروع توتال وفربوند: يتضمن إنتاج الهيدروجين الأخضر من مياه البحر المحلاة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جنوب تونس. يهدف المشروع إلى إنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين سنويًا عند بدء التشغيل، ليصل إلى مليون طن سنويًا بحلول عام 2050، باستثمار يصل إلى 42.8 مليار دولار.
- الاتفاق التونسي السعودي مع أكوا باور: يهدف الاتفاق إلى تطوير بنية تحتية متقدمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة إجمالية تناهز 12 جيجاواط من الطاقات المتجددة، بما في ذلك إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتحلية مياه البحر، وتخزين الهيدروجين الأخضر.
المبادرات الإضافية لتعزيز القطاع
- تأسيس منصة إنتاج وتصدير الهيدروجين: تعمل تونس مع المستثمرين الأجانب على إنشاء منصة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر. من أبرز هذه المشاريع ما يسعى إليه المستثمر الألماني بيتر شيرمان، رئيس شركة SUNfarming، لتأسيس أول منصة من نوعها في تونس، بالإضافة إلى إنشاء أكاديمية للتدريب المهني في التخصصات المتعلقة بالهيدروجين الأخضر.
- مشروع “SoutH2-Corridor”: تعمل دول شمال أفريقيا، بما في ذلك تونس، على بناء خط أنابيب لنقل الهيدروجين يمتد بطول 3300 كيلومتر لربط تونس بإيطاليا والنمسا وألمانيا. وقد وقعت الحكومة التونسية مذكرة تفاهم مع مجموعة “توتال” الفرنسية وشركة “فربوند” النمساوية لدراسة المرحلة الأولى من هذا المشروع.
تكلفة نقل الهيدروجين الأخضر
تُعتبر تكلفة نقل الهيدروجين الأخضر من أبرز التحديات التي تواجه تطوير هذا القطاع. يمكن نقل الهيدروجين عبر مسافات طويلة عن طريق البحر، سواء في صورة مسالة أو مدمج في منتج آخر مثل الأمونيا، مما يسمح بالاعتماد على البنية التحتية النفطية الحالية. ومع ذلك، فإن هذه الطرق تُعد مكلفة ومعقدة من الناحية التقنية. عملية تسييل الهيدروجين تتطلب تبريده إلى درجة حرارة منخفضة للغاية، مما يزيد من تكاليف النقل والطاقة اللازمة للتبريد. كما أن تحويل الهيدروجين إلى أمونيا يتطلب عملية تفاعلية إضافية، ثم يحتاج إلى عملية فصل عند الوصول إلى الوجهة، مما يضيف تكاليف إضافية ويعقد العملية اللوجستية.
من جهة أخرى، يُعتبر النقل عبر خطوط الأنابيب خيارًا أكثر جدوى للمسافات الأقصر، لكنه يواجه تحديات فنية، مثل الضغط المتغير المرتبط بتدفق الهيدروجين ومقاومة الفولاذ المستخدم في الشبكات الحالية. خطوط الأنابيب المستخدمة حاليًا لنقل الغاز الطبيعي ليست مجهزة لتحمل نسبة عالية من الهيدروجين، حيث يمكن أن يؤثر الهيدروجين على خواص الفولاذ ويؤدي إلى مشاكل مثل التآكل والتشققات. مشغلو الغاز يعتقدون أنهم قادرون على دعم نسبة لا تزيد عن 20% من الهيدروجين في خطوط الأنابيب الحالية، مما يعني أن هناك حاجة إلى تطوير بنية تحتية جديدة أو تحسين البنية التحتية القائمة بشكل كبير لنقل الهيدروجين بكفاءة أكبر.
تحاول تونس، بالتعاون مع شركائها الدوليين، إيجاد حلول مبتكرة لتقليل تكاليف نقل الهيدروجين الأخضر وجعلها أكثر كفاءة واقتصادية. من بين هذه الحلول مشروع “SoutH2-Corridor”،الذي ذكرناه سابقاُ
التحديات والإشكاليات
هناك العديد من التحديات في تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر في تونس، منها:
- تكلفة نقل الهيدروجين: يُعد نقل الهيدروجين لمسافات طويلة مكلفًا، سواء عن طريق البحر أو عبر خطوط الأنابيب. يجب البحث عن حلول مبتكرة لخفض هذه التكاليف.
- البنية التحتية: تحتاج تونس إلى تطوير بنية تحتية ملائمة لدعم إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر. يشمل ذلك تحديث شبكات الكهرباء الحالية وبناء خطوط أنابيب جديدة مخصصة للهيدروجين.
- الإطار القانوني: يجب وضع إطار قانوني وتنظيمي يشجع على الاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر، ويضمن تحقيق التزامات العقود الموقعة مع الشركاء الدوليين.
الفوائد الاقتصادية والبيئية
إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس يمكن أن يكون له فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة. فمن الناحية الاقتصادية، يمكن أن يساهم في تقليل العجز الطاقي وزيادة عائدات التصدير، وذلك بفضل الطلب المتزايد على الهيدروجين الأخضر في الأسواق الأوروبية والدولية. كما يمكن أن يوفر فرص عمل جديدة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والطاقة.
من الناحية البيئية، يساعد الهيدروجين الأخضر في تقليل انبعاثات الكربون، مما يساهم في تحقيق أهداف الحياد الكربوني والمحافظة على البيئة. كما يعزز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من التلوث.
الخلاصة
تُظهر هذه المبادرات التزام تونس القوي بتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، مما يضع البلاد في موقع مثالي للاستفادة من هذا المورد الطاقي النظيف والمستدام. من المتوقع أن يساهم الهيدروجين الأخضر في تقليل العجز الطاقي وزيادة عائدات التصدير، بالإضافة إلى دوره في تقليل انبعاثات الكربون وتحقيق أهداف الحياد الكربوني. ومع ذلك، يجب على تونس التغلب على التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والتشريعات لضمان نجاح هذه المشاريع الطموحة.
بتوجيه الجهود نحو الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة المتاحة وتطوير البنية التحتية الملائمة، يمكن لتونس أن تصبح رائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى الأسواق الأوروبية والدولية، مما يعزز مكانتها كوجهة استثمارية واعدة في مجال الطاقة النظيفة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد عن الطاقة المتجددة …
نتمنى لكم يوماً مشمساً..