إن تحقيق صافي الصفر يتطلب القضاء التدريجي على الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه الكربون، مما يستدعي إجراء إصلاح شامل لنظام الطاقة الحالي. في هذا السياق، تُعتبر كفاءة الطاقة، وتوفير الكهرباء، وإمدادات الطاقة الخضراء من الأدوات الأساسية للحد من انبعاثات الكربون. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات وحدها لا تكفي للوصول إلى هدف صافي الصفر. هنا يبرز الوقود الأخضر كحلاً ضرورياً يساعد في تجاوز التحديات المتبقية في العديد من التطبيقات التي يصعب تقليل انبعاثاتها، مثل النقل وإنتاج الفولاذ الأخضر والأمونيا. لذلك، فإن الوقود الأخضر عنصرًا حيويًا في استراتيجيتنا نحو مستقبل مستدام، حيث يمكن أن يسهم بشكل فعال في تحقيق أهدافنا البيئية.
في هذا المقال، سنخوض معاً رحلة لاستكشاف عالم الوقود الأخضر، وسنكتشف كيف يمكن لهذه التقنيات الحديثة أن تغير حياتنا بشكل جذري.
الوقود الأخضر
يعتبر الوقود الأخضر نوعاً من أنواع الوقود يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أو منخفضة الكربون، ويسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية. ينقسم الوقود الأخضر إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. الوقود الحيوي ويشمل الغاز الحيوي والميثان الحيوي المستخرج من المواد العضوية.
2. الهيدروجين الأخضر والذي يُنتج من خلال عملية التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة الكهربائية المتجددة.
3. الوقود الإلكتروني وهو وقود اصطناعي يتم إنتاجه من خلال عملية تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية. تبدأ العملية بتحليل الماء باستخدام الكهرباء النظيفة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو الرياح، إلى عناصره الأساسية: الهيدروجين والأكسجين. ثم يتم دمج الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون، الذي يمكن الحصول عليه من الهواء أو من مصادر صناعية، لتكوين جزيئات الوقود الإلكتروني، مثل الميثانول.
الوقود الحيوي
أفاد أحد التقارير الصادرة عن وكالة الطاقة الولية (IEA) أنه من المتوقع نمو الطلب العالمي على الوقود الحيوي بمقدار 38 مليار لتر خلال الفترة 2023-2028، وهو ما يمثل زيادة بنحو 30% مقارنة بالفترة السابقة التي استمرت خمس سنوات. وتبرز أهمية هذا النوع من الوقود في أنها تساهم بشكل كبير في تحقيق هداف التنمية المستدامة (7 و13) طاقة نظيفة وبأسعار معقولة والعمل المناخي.
يتواجد الوقود الحيوي على شكل سائل أو مادة صلبة أو غازية، إذ ينتج الوقود الحيوي بشكله الصلب من مخلفات النباتات. في حين أن الشكل السائل منه يأتي بأشكال متعددة كالإيثانول والديزل الحيوي وتُخلَط مع المنتجات النفطية أو تُستخدم كما هي في محركات السيارات. إذ يوجد نوعان مختلفان من مصادر الوقود الحيوي السائل، أولها هو النباتات الغنية بالسكر أو النشاء، مثل قصب السكر، الشمندر السكري، والذرة، حيث يتم استخراج الإيثانول من خلال عملية التخمير. والثاني هو النباتات التي تحتوي على الزيوت، مثل الصويا، الفستق، دوار الشمس، الذرة، والنخيل، حيث تُستخرج الزيوت منها وتُعالج كيميائيًا للحصول على الديزل الحيوي.
وأما بالنسبة للشكل الغازي من الوقود الحيوي فإنه يأتي على شكل غاز الميثان والذي يُستخرج من تحلّل النباتات والمخلّفات وروث الحيوانات حيث يتم تخميرها في وسط خال من الأوكسجين.
الهيدروجين الأخضر
يعتبر الهيدروجين الأخضر بديلاً واعداً للوقود الأحفوري في العديد من القطاعات، ولا سيما قطاع النقل. حيث أنه يمكن استخدام الهيدروجين الأخضر كوقود للسيارات والطائرات والسفن.
تتميز عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر بانعدام الانبعاثات الناتجة عنها بالإضافة إلى أنه يمكن الاعتماد على الهيدروجين الأخضر في إنتاج مشتقات أخرى كالأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر الذي يمكن استخدامه كوقود أخضر مما يمهد الطريق نحو إزالة الكربون والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ابتكارٌ جديد: تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود مستدام
يعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون المساهم الأكبر في ظاهرة الاحتباس الحراري. ورغم أنه من الممكن تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات مفيدة، إلا أن الطرق الحرارية التقليدية المتبعة في ذلك تعتمد على الهيدروجين المستخرج من الوقود الأحفوري. لذلك كان من المهم تطوير طرق بديلة تعتمد على التحفيز الضوئي والكهربائي، والاستفادة من الطاقة الشمسية المستدامة.
نجح باحثون في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى ميثانول وذلك من خلال تسليط ضوء الشمس على ذرات مفردة من النحاس. إذ قاموا بتصميم مادة مكونة من النحاس وثبتوها على نترات الكربون النانوية بحيث تتداخل ذرات النحاس داخل البنية النانوية، مما يسمح للإلكترونات بالانتقال من نترات الكربون إلى ثاني أكسيد الكربون، وهذه تعد الخطوة الأساسية في إنتاج الميثانول من ثاني أكسيد الكربون تحت تأثير الإشعاع الشمسي.
خطوات العمل
في عملية التحفيز الضوئي، يتم تسليط الضوء على مادة نصف ناقلة تعمل على إثارة الإلكترونات، مما يمكنها من المرور عبر المادة للتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون والماء، تؤدي هذه التفاعلات إلى إنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات المفيدة، بما في ذلك الوقود الأخضر: الميثانول.
لقد ابتكر الباحثون طريقة لتسخين نيتريد الكربون إلى درجة معينة من التبلور، مما يعزز من الخصائص الوظيفية لهذه المادة أثناء عملية التحفيز الضوئي. ومن خلال استخدام تقنية الرش المغناطيسي، قاموا بترسيب النحاس الذري في عملية خالية من المذيبات، مما يسمح بالاتصال الوثيق بين أنصاف النواقل وذرات المعدن. بعد ذلك قاس الباحثون التيار الناتج عن الضوء واستخدموه كمعيار لتقييم جودة المحفز.
لقد أظهرت النتائج أن الشكل الجديد من نيتريد الكربون بدون نحاس أكثر نشاطًا بمقدار 44 مرة من نيتريد الكربون التقليدي. ومع ذلك فإن إضافة 1 ملغ فقط من النحاس لكل 1 غرام من نيتريد الكربون ضاعف هذه الكفاءة أربع مرات. والأهم من ذلك كله أن الانتقائية تغيرت من إنتاج الميثان وهو أحد الغازات الدفيئة إلى الميثانول مما يعزز من إمكانية استخدامه كوقود أخضر.
الخاتمة
إن الوقود الأخضر يمثل نقطة تحول في قطاع الطاقة وإن اعتماده ليس مجرد خيار، وإنما هو ضرورة ملحة لضمان مستقبل مستدام لكوكبنا. فمن خلال الاستثمار في البحث والتطوير وتبني التقنيات الحديثة، يمكننا تسريع وتيرة الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!
المصادر:nottingham university, institute of sustainability studies, unescwa