يعتبر الكربون من أكثر العناصر الكيميائية وفرة في الطبيعة فهو يحتل المرتبة 19 في ترتيب وفرة العناصر في القشرة الأرضية من حيث الوزن كما يُقدر عدد ذرات الكربون بنحو 3.5 أضعاف عدد ذرات السيليكون في الكون. ويوجد الكربون بشكل مرتبط في العديد من المنتجات الطبيعية مثل صخور الكربونات وثنائي أكسيد الكربون وفي النفط والفحم. كما أنه يوجد في الطبيعة بشكل حر فقد يكون صلداً شفافاً كالألماس أو أسوداً سهل التفتت كالغرافيت. ونظراً لأهمية الكربون فقد وضع العلماء قوس قزح الكربون (Carbon rainbow) واختاروا استخدام الألوان لتصنيف الكربون في نقاط مختلفة في دورة الكربون بناءً على وظيفته وخصائصه وموقعه. وهذا يخلق إطارًا وصفيًا أكثر من العلامات التقليدية العضوية وغير العضوية.
في هذا المقال سنستكشف قوس قزح الكربون وألوانه ومعنى كل لون
الكربون الأحمر
يعتبر الكربون الأحمر (Red Carbon) من أحدث الألوان في قوس قزح الكربون. ويشمل هذا اللون جميع الجزيئات البيولوجية الحية الموجودة على الجليد والثلج، والتي تعمل على تقليل الانعكاس لضمان البقاء. يُعبر اللون الأحمر عن صبغة شائعة تنتجها الكائنات الدقيقة في الجليد، لكن المصطلح يتضمن أيضًا أصباغًا تتراوح بين الأصفر والأرجواني.
تمتص هذه الألوان الأطوال الموجية الخضراء والزرقاء من الضوء، مما يؤدي إلى ذوبان الجليد والثلج وإنتاج ماء سائل ضروري للحياة، بالإضافة إلى تحرير العناصر الغذائية مثل النيتروجين والفوسفور المرتبطة داخل بلورات الجليد.
الكربون الأسود
يمثل الكربون الأسود (Black Carbon) أحد المكونات الرئيسية للسخام، وهو مادة تتسبب في تغييرات مناخية ملحوظة نتيجة للاحتراق غير الكامل للوقود.
يُعتبر الكربون الأسود الأكثر خطورة بين أنواع الكربون الملون، ويحتل المرتبة الثانية عالميًا في التسبب بالاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون. ووفقًا للدراسات التي أجراها معهد مراقبة العالم (Worldwatch Institute) والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change IPCC)، يُقدّر أن ما بين 7 إلى 15 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون يتم إطلاقه سنوياً نتيجة للكربون الأسود.
تجدر بنا الإشارة إلى أن الكربون الأسود يؤثر على البيئة من خلال طريقتين رئيسيتين؛ الأولى هي مساهمته في زيادة تأثير الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والثانية هي قدرته على تحويل الثلج والجليد إلى طين عكر يمتص حرارة الشمس، مما يساهم في ذوبان الغطاء الجليدي، وخاصة في نصف الكرة الشمالي.
ووفقاً للكاتب مايك بيرنرز في كتابه (How Bad Are Bananas) فإن حوالي 42% من الكربون الأسود يأتي من الحرائق الخارجية، بينما يُنتج ربع الكمية من حرق الخشب والفحم والروث والمواد العضوية. بالإضافة إلى ذلك فإن قطاع النقل وخاصة مركبات الديزل تساهم، بنحو ربع آخر، في حين أن ما تبقى يأتي من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي يمكن أن يسببها الكربون الأسود، إلا أنه لا يبقَ في الغلاف الجوي سوى لبضعة أيام. ومن الممكن اتخاذ خطوات بسيطة للحد من إنتاجه. وذلك من خلال اعتماد تقنيات الحرق النظيف، وتعزيز استخدام المرشحات في محركات الديزل، والتحول إلى مواقد أكثر كفاءة
الكربون البني
يُعد الكربون البني (Brown Carbon) نوعاً من الهباء الجوي الناتج عن الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية، ويؤدي دورًا معقدًا في تغير المناخ. ويتميز هذا الجسيم بقدرته على امتصاص الضوء، وله تأثير على تدفئة الجزء العلوي من الغلاف الجوي، وتأثير تبريد على مستوى سطح الأرض. ولم يتمكن العلماء من تمييز الكربون البني عن الكربون الأسود إلا في عام 2006، ويُعتقد أنه أكثر انتشارًا في دول شرق آسيا.
يتم إنتاج الكربون البني من عدة مصادر، بما في ذلك مواد القطران واحتراق الفحم، بالإضافة إلى تحلل المنتجات الناتجة عن الاحتراق غير السليم للكتلة الحيوية بما فيها الحطب ونفايات الأعشاب الضارة وغيرها والمركبات العضوية المنبعثة من التربة والنباتات. يتراكم هذا في الغلاف الجوي للأرض ويشكل غيومًا بنية اللون. ومن ثم تقوم هذه الغيوم بتشتيت ضوء الشمس، مما يقلل من معدل التبخر. ونتيجة لذلك، تتأثر أنماط هطول الأمطار وتتعطل دورة المياه. كما يمكن أن يترتب على هذه الظاهرة آثار سلبية على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية.
الكربون الأخضر
يُطلق اسم الكربون الأخضر (Green Carbon) على الكربون المخزن في الغلاف الحيوي داخل النظم البيئية، مثل الغابات الطبيعية والتربة والمراعي. تمتص النباتات هذا الكربون من الغلاف الجوي عبر عملية التركيب الضوئي، ويمكن أن يتواجد نوع آخر منه بحرياً (كربون أخضر بحري) يأتي من النباتات تحت الماء.
ومع ذلك، يمكن أن يتم إطلاق هذا الكربون إلى الغلاف الجوي نتيجة للحرائق، وإزالة الغابات، والخلل في التنوع البيولوجي للمناظر الطبيعية.
الكربون الأزرق
يشير مصطلح الكربون الأزرق (Blue Carbon) إلى الكربون المخزن في النظم البيئية البحرية والساحلية، مثل أشجار المانجروف، والمستنقعات، وأعشاب البحر، والشعاب المرجانية. حيث تُعتبر هذه الأنظمة البيئية مهمة للغاية لأنها تخزن كميات كبيرة من الكربون غير العضوي، مما يساعد في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
وقد أظهر وفقًا تقرير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، أن 83% من الكربون العالمي يتم تداوله في المحيطات والموائل الساحلية. وعلى الرغم من أن هذه النظم البيئية الساحلية لا تشغل سوى 2% من المساحات “الزرقاء” في العالم، إلا أنها تمتلك القدرة على تخزين كميات من الكربون تفوق تلك المخزنة في مساحات مماثلة من الغابات الأرضية.
دور قوس قزح الكربون في قطاع الأعمال
يمكن لقوس قزح الكربون أن يعزز من قيمة الأعمال بشكل مستدام ولكن كيف؟
في سبتمبر 2020، أطلقت شركة يونيلفر (Unilever)، الرائدة في مجال السلع الاستهلاكية، برنامجها الطموح للاستدامة “المستقبل النظيف” من خلال قسم العناية المنزلية واستفادت من أداة قوس قزح الكربون في تنويع مصادر الكربون في منتجاتها.
كان الهدف الرئيسي للبرنامج تحقيق استخدام 100% من الكربون المتجدد أو المعاد تدويره في منتجات الشركة مثل برسيل وصن لايت. تُعَد هذه الاستراتيجية خطوة جريئة نحو تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية المستمدة من الوقود الأحفوري، مما يسهم في تقليص بصمتها الكربونية بشكل ملحوظ. وقدّرت يونيلفر أن هذا التحول يمكن أن يقلل من بصمتها البيئية بنسبة تصل إلى 20% على مستوى العالم.
الخلاصة
يشهد العالم تزايداً ملحوظاً في الاهتمام بالحلول المستدامة لمواجهة تحديات تغير المناخ. وفي هذا الإطار، يبرز مفهوم قوس قزح الكربون كأداة قوية لفهم دور الكربون المتنوع في البيئة وتأثيره على المناخ. ومن خلال استكشاف ألوان الطيف الكربوني المختلفة ندرك أهمية تحقيق التوازن بين هذه الألوان لضمان مستقبل مستدام لكوكبنا. ومع استمرار التقدم والتطور، يلوح في الأفق احتمال ظهور ألوان جديدة في طيف الكربون. فما هو اللون التالي الذي سيكشف عنه قوس قزح الكربون؟ تتطلب الإجابة على هذا السؤال مزيداً من البحث، ولكن من المؤكد أن المستقبل يحمل لنا مفاجآت مثيرة في هذا المجال.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!
المصدر:sustainable and social, nature, usgs, britannica