بداية الحكاية: أزمة كهرباء خانقة
خلال العقد الماضي، عانت سوريا من واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في تاريخها الحديث، حيث تركت الحرب آثارها العميقة على مختلف جوانب الحياة، وكان قطاع الكهرباء أحد ضحاياها. تعطلت المحطات، وفقدت المحروقات، وسُرقت خطوط النقل، ودُمرت البنية التحتية، مما أدى إلى تقليص حصة المواطن السوري اليومية من الكهرباء إلى بضع دقائق فقط يومياً في بعض المناطق. هذا الظلام الطويل لم يثقل كاهل الحياة اليومية للسكان فحسب، بل ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد، معطلًا عجلة الإنتاج والتنمية.
وسط هذا الواقع المؤلم، ظهرت الطاقة الشمسية كبديل ضروري وأمل جديد. ورغم ارتفاع تكاليفها التي تفوق قدرة غالبية الأسر، إلا أن الحاجة الملحّة دفعت الكثيرين إلى تبنيها لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الإنارة وتشغيل الأجهزة الضرورية. تحولت الطاقة الشمسية إلى خيار حتمي لمجتمع أنهكته الحرب، ليعيد بريق الأمل في مواجهة الظلام.
مشهد متباين بين المناطق
مناطق النظام البائد
مشهد جوي للقصر الرئاسي السوري في دمشق، يظهر فيه تركيب ألواح شمسية على سطح المبنى.
مصدر الصورة: عمر الحاج قدور/وكالة فرانس برس – جيتي إيماجيز.
رغم المبادرات الهادفة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، واجهت مناطق النظام البائد تحديات كبيرة أعاقت تطور قطاع الطاقة الشمسية. لعب قانون قيصر، المفروض من قبل الولايات المتحدة منذ عام 2020، دورًا رئيسيًا في تفاقم هذه التحديات.
ما هو قانون قيصر؟
- صدر قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في ديسمبر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020.
- سُمِّي على اسم “قيصر”، وهو الاسم المستعار لمصور عسكري سوري انشق عن النظام، وكشف آلاف الصور المروعة لتوثيق انتهاكات النظام ضد المعتقلين.
- يهدف القانون إلى فرض ضغوط اقتصادية وسياسية على النظام السوري لوقف الانتهاكات ضد المدنيين ودفعه للقبول بحل سياسي.
أثر قانون قيصر على الاقتصاد والطاقة الشمسية
فرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية صارمة على النظام السوري وشركائه، مما أثّر بشكل مباشر على قطاعات حيوية، ومنها الطاقة المتجددة:
- صعوبة استيراد المعدات اللازمة للطاقة الشمسية:
- حظرت العقوبات استيراد المعدات المتطورة لأنظمة الطاقة الشمسية، مثل الألواح والعواكس والبطاريات، ما أجبر السوق على الاعتماد على واردات مهربة، مما أدى إلى هشاشة في السوق، وتنوع في جودة المنتجات بين الممتازة والسيئة.
- زادت القيود من تكلفة الاستيراد، حيث أصبحت العمليات تعتمد على وسطاء دوليين يفرضون أسعارًا مرتفعة نتيجة المخاطر المرتبطة بالتعامل مع سوريا.
- حظرت العقوبات استيراد المعدات المتطورة لأنظمة الطاقة الشمسية، مثل الألواح والعواكس والبطاريات، ما أجبر السوق على الاعتماد على واردات مهربة، مما أدى إلى هشاشة في السوق، وتنوع في جودة المنتجات بين الممتازة والسيئة.
- تدهور العملة وتأثيرها على الأسعار:
- أدى قانون قيصر إلى تفاقم انهيار الليرة السورية، مما جعل استيراد المعدات بالدولار الأمريكي عبئًا هائلًا على الشركات والمستهلكين.
- تسبب التضخم الناتج عن تدهور العملة في ارتفاع أسعار أنظمة الطاقة الشمسية، مما جعلها رفاهية لا يمكن لمعظم المواطنين تحمل تكلفتها.
- الأزمات الاقتصادية العامة:
- استهدفت العقوبات المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالنظام، مما أدى إلى شلل اقتصادي عام.
- أضعفت قدرة الدولة على دعم مشاريع الطاقة المتجددة، وتركت القطاع عرضة للفوضى والممارسات غير العادلة.
التحديات الإضافية التي واجهها قطاع الطاقة الشمسية
إلى جانب تأثير قانون قيصر، واجهت مناطق النظام تحديات داخلية تفاقمت بسبب سياسات الحكومة:
- انتشار التهريب وهشاشة سوق المنتجات:
- بسبب صعوبة الاستيراد الرسمي، اعتمد السوق على معدات مهربة وغير خاضعة للرقابة.
- غياب التنظيم أدى إلى تركيب الأنظمة من قبل غير المتخصصين في كثير من الأحيان، مما تسبب في أخطاء فنية وأعطال، حتى في الأنظمة ذات الجودة العالية.
- ارتفاع الأسعار بسبب الضرائب والجمارك:
- فرضت الحكومة ضرائب وجمارك مرتفعة على مستلزمات الطاقة الشمسية، ما زاد من تكاليف المنتجات بشكل كبير، لتصبح بعيدة عن متناول معظم المواطنين.
- بالإضافة إلى ذلك، صدر في مايو 2024 قرار بفرض ضميمة بقيمة 25 دولارًا على كل لوح طاقة شمسية مستورد، في إطار ما وصفته الحكومة بمحاولة دعم الصناعة المحلية.
- رغم أن الضميمة تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي للألواح الكهروضوئية، إلا أنها أدت إلى زيادة إضافية في تكاليف الاستيراد، مما أضاف عبئًا جديدًا على التجار والمستهلكين. في ظل غياب منتج محلي كافٍ يلبي الطلب.
- امتيازات التجار المقربين من النظام:
- خضعت عمليات الاستيراد لتعقيدات شديدة، مثل الدفع بالدولار عبر البنك المركزي بأسعار صرف غير منطقية، مما أبطأ إدخال المعدات إلى السوق.
- استفاد التجار المقربون من النظام، خاصة المرتبطين بعائلة الأسد، من استثناءات غير قانونية مكنتهم من التهريب وتحقيق أرباح ضخمة على حساب السوق.
- المنصة الإلكترونية للتمويل:
- أُجبر التجار على استخدام منصة إلكترونية للتمويل، والتي زادت من تكلفة البضائع بنسبة تصل إلى 10%.
- هذه التكاليف الإضافية شكلت عبئًا واضحًا على التجار، مما دفعهم إلى تحميلها على أسعار المنتجات، ما زاد من أعباء المستهلكين وزاد من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
الخلاصة: أزمة مركبة تعرقل الحلول المستدامة
ساهم قانون قيصر، إلى جانب سياسات النظام غير العادلة، في تعميق أزمة الطاقة بمناطق النظام البائد. كانت العقوبات تهدف إلى الضغط على النظام لوقف الانتهاكات، لكنها في الوقت نفسه أعاقت جهود تطوير الطاقة المتجددة. مع ارتفاع الأسعار، وغياب التنظيم، واستغلال الامتيازات من قبل المقربين، مما زاد من معاناة السوريين.
إدلب: الطاقة الشمسية تنير مناطق الدمار
دمار البنية التحتية والبحث عن البدائل
كما هو الحال في باقي مناطق سوريا، تعرضت إدلب لدمار واسع في بنيتها التحتية بسبب سنوات الحرب والقصف المستمر. أدى ذلك إلى تعطيل شبكات الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي عن معظم مناطق المدينة وريفها لعدة سنوات، مما أجبر السكان على البحث عن بدائل لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الطاقة.
انتشار الطاقة الشمسية كحل عملي
في مواجهة غياب التيار الكهربائي النظامي، لجأ سكان إدلب بشكل واسع إلى استخدام أنظمة الطاقة الشمسية. أصبحت هذه الأنظمة الخيار الأبرز لتأمين الإنارة وتشغيل الأجهزة الضرورية، خصوصًا مع توافر أشعة الشمس معظم أيام السنة في المنطقة. ورغم التكلفة المرتفعة لأنظمة الطاقة الشمسية، إلا أن الحاجة الملحّة دفعت الكثيرين إلى الاستثمار فيها، مدعومين برؤية طويلة الأجل توفر عليهم تكاليف المولدات والوقود.
المولدات وعنفات الرياح كبدائل مكملة
إلى جانب الطاقة الشمسية، اعتمد سكان إدلب على مصادر طاقة أخرى، أبرزها المولدات الكهربائية. رغم الاعتماد الكبير عليها، إلا أنها واجهت تحديات تتعلق بتكاليف التشغيل وارتفاع أسعار الوقود. كما شهدت المنطقة مبادرات لاستخدام عنفات الرياح الصغيرة كمصدر طاقة إضافي، ما وفر حلاً عمليًا لبعض القرى النائية.
مشاريع الكهرباء التركية ودور شركة “غرين إنرجي”
عودة التيار الكهربائي عبر تركيا
في مايو 2021، وبعد سنوات من انقطاع الكهرباء عن إدلب، عادت الإضاءة إلى المدينة وريفها إثر اتفاق أبرمته المؤسسة العامة للكهرباء التابعة للمعارضة السورية مع شركة “غرين إنرجي” التركية. نجحت الشركة في إيصال التيار الكهربائي إلى كامل المنطقة الخاضعة لـ”حكومة الإنقاذ”، باستثناء بعض القرى البعيدة والنائية.
الشراكة مع المستثمرين المحليين
بهدف تعزيز استقرار الكهرباء وتلبية الطلب المتزايد، شجعت شركة “غرين إنرجي” الاستثمار في مشاريع توليد الطاقة الشمسية. أتاح هذا التعاون فرصًا للمستثمرين المحليين لبيع الكهرباء المولدة من أنظمتهم الشمسية للشركة، مما أوجد مصدر دخل جديدًا في منطقة تعاني من قلة فرص العمل وغياب النشاط التجاري.
مناطق قسد: فرص وتحديات متشابكة
رغم أن شمال شرق سوريا يمتلك موارد نفطية، إلا أن مناطق “قسد” تواجه تحديات كبيرة أثرت على حياة السكان واستقرار الكهرباء:
- انقطاع الكهرباء والمياه:
- انقطعت الكهرباء النظامية عن منطقة الجزيرة منذ أكثر من عام ونصف بسبب الضربات التركية على المحطات الرئيسية.
- تعاني الحسكة من انقطاع كامل للمياه بعد استيلاء الفصائل المسلحة الموالية لتركيا على محطة علوك عام 2019.
- شحّ المحروقات:
استهدفت الطائرات التركية منشآت النفط، مما أدى إلى نقص حاد في المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات وأنظمة الطاقة. - النزوح والتهجير القسري:
تصاعدت أزمة النزوح مع استمرار الاشتباكات في مناطق الإدارة الذاتية، مما زاد الضغط على الموارد والخدمات.
الوضع الحالي للكهرباء في سوريا: تحديات هائلة
قبل الحرب، كانت الطاقة المركبة في سوريا تبلغ حوالي 8500 ميغاواط. اليوم، انخفضت إلى 2000 ميغاواط فقط. يعتمد معظم السوريين على المولدات والطاقة الشمسية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مع استمرار تراجع إنتاج النفط من 600 ألف برميل يوميًا قبل الحرب إلى 30 ألف برميل يوميًا حاليًا.
مصادر الطاقة الحالية في سوريا:
- 60% من الكهرباء يتم توليدها من النفط.
- 38% من الكهرباء يتم توليدها من الغاز.
- تعتمد بعض المناطق في شمال سوريا على 210 ميغاواط من الكهرباء المستوردة من تركيا.
تطور إقليمي: تركيا تسد فجوة الكهرباء في سوريا
في خطوة مهمة نحو التعاون الإقليمي، أعلنت تركيا استعدادها لتزويد سوريا بالكهرباء طوال عام 2025. وأكد وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بايراكتار، أن شركة EÜAŞ المملوكة للدولة ستتولى تلبية احتياجات سوريا من الكهرباء، بالتعاون مع شركة TEİAŞ المتخصصة في نقل الكهرباء.
حلول متعددة لتلبية الطلب:
سفن كارادينيز KPS Orka Sultan وKPS Orhan Ali Khan وKPS Gökhan Bey في ميناء ألتينوفا في خليج إزميت، تركيا، 28 مايو 2023. مصدر الصورة: رويترز
- تصدير الكهرباء عبر الشبكة:
تعمل تركيا على تطوير بنيتها التحتية لنقل الكهرباء عبر حدودها لتلبية الاحتياجات الفورية لسوريا. - محطات الطاقة العائمة:
شركة كارباورشيب التركية، إحدى أكبر مشغلي محطات الطاقة العائمة، قدمت خيارًا عمليًا يتمثل في رسو السفن المزودة بمولدات ضخمة لتوفير الطاقة.
أهمية هذه الخطوة:
- دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا.
- المساهمة في تعزيز استقرار المنطقة عبر التعاون في مجال الطاقة.
- تسهيل الاستخدام الأمثل لموارد النفط والغاز السورية لتوليد الكهرباء مستقبلًا.
الربط الكهربائي مع الأردن: نافذة أمل جديدة
في تصريح أدلى به وزير الكهرباء السوري في الحكومة الإنتقالية، عمر الشقروق، بتاريخ 1 يناير 2025، أكد أن مشروع الربط الكهربائي مع الأردن يمثل خطوة استراتيجية لتخفيف أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد منذ سنوات. المشروع، الذي يتطلب ستة أشهر من أعمال الصيانة لإعادة تأهيل الخطوط المتضررة، يحمل وعودًا بتحسين وضع الكهرباء بشكل كبير.
خطط الوزارة لتحقيق التحول الكهربائي
خلال حديثه لقناة “المملكة” الأردنية، استعرض الوزير ثلاث مراحل رئيسية لتحقيق أهداف المشروع:
- خطة الطوارئ:
تهدف إلى زيادة حصة المواطنين اليومية من الكهرباء لتصل إلى 8-10 ساعات خلال شهرين من بدء التنفيذ. - الخطة متوسطة المدى:
تسعى إلى تحقيق توافر الكهرباء على مدار الساعة بشكل مستدام خلال ثلاث سنوات. - الخطة التطويرية:
تتضمن بناء شبكة كهرباء حديثة ومتطورة تدعم عودة المهجرين وتشجع الاستثمارات، مما يعزز التعافي الاقتصادي للبلاد.
فرص وتحديات: سوق الطاقة الشمسية في سوريا
رغم أهمية الطاقة الشمسية، يواجه القطاع تحديات كبيرة، منها:
- ضعف الجودة: انتشار منتجات غير مطابقة للمواصفات أدى إلى مشاكل تقنية وحوادث.
- نقص الكوادر الفنية: قلة التدريب تعيق الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا.
- التكلفة المرتفعة: تجعل الطاقة الشمسية غير متاحة لغالبية الأسر.
- غياب التشريعات الفعّالة: يعوق تنظيم السوق وضمان استدامته.
تسهيل التمويل: طريق نحو الحلول
يمكن للحكومة السورية جذب التمويل الدولي لدعم مشاريع الطاقة النظيفة، مما يسهم في:
- توفير أنظمة طاقة شمسية منخفضة التكلفة للأسر ذات الدخل المحدود.
- تمويل برامج تدريبية لتأهيل الكوادر الفنية.
- إطلاق مشاريع مجتمعية تعتمد على الطاقة الشمسية.
إلا أن هذه الجهود تظل مرهونة برفع العقوبات الدولية عن سوريا.
نصيحة خبير: خارطة طريق للنهوض بالطاقة المتجددة
لتحقيق قفزة نوعية في قطاع الطاقة المتجددة، يجب العمل على:
- تعزيز التدريب وبناء القدرات: إطلاق برامج متخصصة لتأهيل المهندسين والفنيين.
- تسهيل التمويل: تقديم قروض مدعومة ومنح دولية.
- تحسين التنظيم: وضع معايير واضحة لجودة المنتجات وتشريعات لحماية المستهلكين.
- تعزيز التعاون الإقليمي: مثل الربط الكهربائي لتحقيق استقرارية أكبر للشبكة.
ماذا يحمل المستقبل؟
مع انطلاق مشاريع الربط الكهربائي وخطط إعادة الإعمار، تبدو سوريا على أعتاب مرحلة جديدة تحمل آمالًا كبيرة لتحسين واقع الطاقة الكهربائية في البلاد. قطاع الطاقة الشمسية، بمرونته وإمكاناته، يمتلك القدرة ليصبح أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، من خلال خلق فرص عمل، وتقليل البطالة، وتعزيز الاستدامة البيئية.
إن قصة الطاقة الشمسية في سوريا ليست مجرد استجابة مؤقتة لأزمة، بل هي رمز للصمود والإبداع. إنها دليل على قدرة السوريين على تجاوز أصعب التحديات، وتصميمهم على بناء مستقبل يتسم بالابتكار والاستدامة. مع العمل المشترك والتخطيط الطموح، قد تصبح سوريا نموذجًا يحتذى به في تحويل الأزمات إلى فرص وإرساء دعائم مستقبل مشرق ومستدام.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!