مقدمة
هل سمعت من قبل عن العصر الهولوسيني أو حقبة الهولوسين؟ كيف هو شكل حال الأرض خلال هذه الفترة وما هو بعدها أو قبلها؟
العصر الهولوسيني هي الفترة التي بدأت منذ 11,700 سنة مضت إلى يومنا هذا، وتتميز هذه المرحلة بدفء درجات الحرارة فيها، إذ كانت الكرة الأرضية تتميز بمناخ بارد وانتشار المناطق الجليدية.
تطورت الحضارات والأنشطة البشرية خلال هذا العصر مما ساهم في رفع درجة حرارة الكوكب وتغير المناخ ومعالم الطبيعة عليه.
تساهم الأنشطة البشرية بشكل كبير في هذا التغير لكن ذلك أصبح يؤثر بشكل سلبي وملحوظ على استقرار الطبيعة ويهدد الحياة البشرية.
عند سماع كلمة الحدود الكوكبية – Planetary Boundaries قد يتبادر إلى الأذهان حدود مكانية لكوكبنا أو كواكب أخرى، لكن في مقالنا هذا سنتعرف على معنى الحدود الكوكبية وكيف ستساهم في الحفاظ على استقرار كوكبنا وتحميه.
ما هي الحدود الكوكبية ولماذا تهمنا؟
الحدود الكوكبية هي في الأساس عتبات لعمليات أو أنشطة إذا تم تجاوزها قد تؤدي إلى تغييرات بيئية خطيرة وربما لا يمكن التراجع عنها، بمعنى آخر هي الحدود لكوكب آمن ومستقر للعيش، ويبلغ عدد هذه الحدود تسعة ويمكن اعتبار هذه الحدود بمثابة “فحص صحي” لكوكب الأرض.
قام العلماء لأول مرة في سبتمبر 2023 بتقييم شامل لجميع هذه الحدود التسعة، وأظهرت النتائج أن البشرية تجاوزت بالفعل ستًا من هذه الحدود، مما يدفعنا نحو منطقة خطر تزيد فيها احتمالية حدوث تغييرات بيئية لا رجعة فيها بشكل كبير.
أكد يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ ورئيس لجنة الأرض، على خطورة الوضع قائلاً: “التحرك الفوري والحاسم والجماعي هو الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها تجنب ظروف تهدد الحياة، وتأمين كوكب صالح للعيش كما نعرفه على المدى الطويل.”
دفعت هذه النتائج المقلقة مجموعة من القادة والنشطاء إلى تشكيل مجموعة “حماة الكوكب”، بهدف تحفيز التغييرات المنهجية لحماية الموارد العالمية وحشد حركة لمواجهة أخطر أزمة واجهتها البشرية على الإطلاق. هم الآن يطالبون الحكومات، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية بتبني نهج شامل لاستعادة استقرار كوكب الأرض.
الحدود الكوكبية التسعة ووضعها الحالي
- تغير المناخ: تم تجاوز هذه الحدود بسبب التغيرات في توازن طاقة الأرض الناتجة عن زيادة الغازات الدفيئة، يؤدي احتباس هذه الغازات إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية واضطراب أنماط المناخ.
- الكائنات الجديدة: إطلاق المواد الكيميائية الاصطناعية مثل البلاستيك والمواد التي تخل بالهرمونات، إلى جانب المواد المشعة والكائنات المعدلة وراثيًا، قد تجاوز مستويات الأمان، إذ يتم إدخال هذه المواد إلى البيئة دون اختبارات كافية.
- استنفاد طبقة الأوزون: طبقة الأوزون في الستراتوسفير، التي تحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، تشهد هذه الطبقة تراجعًا بسبب المواد الكيميائية التي صنعها الإنسان. ورغم أن مستويات الأوزون الحالية ما زالت ضمن الحدود الآمنة، إلا أنها لم تصل بعد إلى المستويات التي كانت عليها في منتصف القرن العشرين.
- تحميل الهباء الجوي (Atmospheric aerosol loading): تزيد الأنشطة البشرية والمصادر الطبيعية من الجزيئات العالقة في الهواء ما يؤثر على المناخ من خلال تغيير أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار. الفارق بين نصفي الكرة الأرضية في تحميل الهباء الجوي حالياً لا يزال ضمن حدود الأمان.
- معدل حموضة المحيطات: امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي يزيد من حموضة المحيطات، مما يضر بالأنظمة البيئية البحرية ويقلل من كفاءة المحيط كمصيدة للكربون. ورغم أن نسبة تشبع المحيطات ما زالت ضمن الحدود الآمنة، إلا أنها تقترب من تجاوز هذه الحدود.
- تعديل التدفقات الكيميائية الحيوية: تؤثر الأنشطة البشرية على العمليات التي تتحرك فيها العناصر الغذائية مثل النيتروجين والفوسفور بين الكائنات الحية والبيئة، فتزيد هذه الأنشطة من كمية النيتروجين والفوسفور في البيئة، مما يؤثر سلبًا على النظم البيئية والحياة على الأرض.
- تغير المياه العذبة: الأنشطة البشرية غيرت دورات المياه العذبة، مما أثر على احتجاز الكربون، والتنوع البيولوجي، وأنماط الهطول. تجاوزت الاضطرابات في كل من المياه الزرقاء (الأنهار والبحيرات) والمياه الخضراء (رطوبة التربة) الحدود الآمنة.
- تغير النظم الأرضية: التحول في المناظر الطبيعية من خلال إزالة الغابات والتحضر يقلل من وظائف النظم البيئية مثل احتجاز الكربون وتوفير المواطن الطبيعية. تراجعت مساحات الغابات في المناطق المدارية، الشمالية، والمعتدلة إلى ما دون الحدود الآمنة.
- سلامة الغلاف الحيوي: تراجع التنوع البيولوجي وصحة الأنظمة البيئية يهدد قدرة الغلاف الحيوي على تنظيم حالة الكوكب. فقدان التنوع الجيني وتراجع سلامة النظم البيئية الوظيفية تجاوز الحدود الآمنة.
نجد من خلال هذا التوضيح أن 3 من الحدود الكوكبية قد تم تجاوزها، وكما ذكرنا سابقاً أن تجاوز الحدود قد يسبب نتائجاً لا يمكن التراجع عنها.
كيف يمكن الالتزام بهذه الحدود وما هي التحديات التي تواجهها
تعد الحدود الكوكبية خطوة هامة نحو تحديد الحدود البيئية التي يمكن للبشرية أن تحقق التنمية في نطاقها بأمان. إلا أن تطبيقها يواجه بعض التحديات مثل:
1. استخدام مؤشرات ملائمة لمقاييس جغرافية مختلفة.
2. تطوير أساليب توزيع عادلة لتقسيم “المساحة التشغيلية الآمنة” التي يحددها إطار الحدود الكوكبية عبر سلاسل القيمة.
3. تنسيق الجهود الدولية لتنفيذ التدابير التي تحترم هذه الحدود الكوكبية.
4. إنشاء نظام موحد من المؤشرات يمكن تطبيقه بشكل متسق على مختلف المستويات.
6. تطوير قواعد بيانات ونماذج عالمية، ويفضل أن تكون مفتوحة المصدر.
7. تعزيز فهم التفاعلات بين الحدود الكوكبية المختلفة.
خلاصة
تحدد الحدود الكوكبية النشاطات البشرية التي تؤثر سلباً على النظام الكوكبي ومكوناته والتي من شأنها أن تؤثر على حياتنا المستقبلية.
وفقاً للدراسات فإن عدداً من الحدود قد تجاوزها أصلاً وهذا مؤشر خطير على تراجع الأداء اتجاه هذه الحدود، بالتالي يجب بذل مزيد من الجهود والتعاون بين الحكومات والقطاعات الخاصة بهدف وقف السلوكات التي تزيد من تجاوز هذه الحدود.
يواجه الإلتزام بهذه الحدود بعض التحديات لكن مع التأكيد المستمر على ضرورة حماية كوكبنا والدعوة للتحرك الجماعي من قبل كافة القطاعات يمكن مواجهة هذه التحديات.