بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في عام 2023 وفقاً لشركة إيهون AON حوالي 380 مليار دولار أمريكي. فقد شهدنا عاماً مليئاً بالأحداث المناخية القاسية، بدءاً من العواصف العاتية والفيضانات المدمرة، وصولاً إلى الأعاصير القوية مثل إعصار غابرييل في نيوزيلندا وإعصار دانيال في المغرب بالإضافة إلى موجات الحر غير المعتادة في أوربا. ومع تزايد تأثير التغير المناخي على المؤسسات والمنظمات والمستثمرين وأصحاب المصلحة أصبح من الواضح أن المخاطر المناخية لم تعد مجرد قضايا بيئية، بل تحولت إلى مخاطر مالية تؤثر على الاستقرار المالي لجميع المنظمات. وتصنف هذه المخاطر في فئتين رئيسيتين: المخاطر المادية والمخاطر الانتقالية.
في هذا المقال، سنتعمق في تعريف المخاطر المناخية، واستكشاف أنواعها المختلفة، ودراسة آثارها عبر القطاعات المختلفة، ومناقشة استراتيجيات إدارة هذه المخاطر والتخفيف منها.
المخاطر المناخية
تشير المخاطر المناخية إلى الأضرار المالية أو الاجتماعية أو البيئية المحتملة الناجمة عن تغيرات المناخ. وبالنسبة للشركات تشير إلى الآثار المحتملة لتغيرات المناخ على أدائها المالي.
ولا تعد هذه الأخطار المناخية أحداثاً عابرة، بل تتنوع من الأحداث الجوية المتطرفة (عواصف، أعاصير…) إلى التحولات طويلة الأمد في أنماط المناخ مما يترك آثاراً جلية على الأعمال التجارية وسلاسل التوريد والبنية التحتية والاستثمارات بل وحتى على الاقتصاد ككل.
ومن الجدير بالذكر أن التأثيرات المادية والمالية التي تتسبب فيها هذه المخاطر المناخية للشركات تندرج في فئتين رئيسيتين هما المخاطر المادية والمخاطر الانتقالية ولكن ما هو الفرق بينهما؟
المخاطر المناخية المادية
تُعتبر المخاطر المناخية المادية بمثابة تهديدات حقيقية قد تؤدي إلى أضرار مادية وخسائر مالية جسيمة نتيجة التغيرات المناخية المتزايدة. فالتأثيرات المباشرة لتغير المناخ يمكن أن تكلف الشركات تكاليف باهظة ومثال على ذلك نفقات الإصلاح والاستبدال للعمران نتيجة الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية بسبب الأعاصير. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المخاطر قد تؤدي إلى خسائر مالية نتيجة الاضطرابات التي تحدثها في سير الأعمال، مثل انقطاع سلسلة التوريد وتوقف العمليات.
تنقسم المخاطر المناخية المادية إلى نوعين رئيسيين: الصدمات والإجهادات. الصدمات هي تلك الأحداث الجوية المتطرفة، كالأعاصير وموجات الحر، التي تحدث بسرعة ولكنها تخلف آثاراً مدمرة. بينما تأتي الإجهادات بشكل أبطأ، إذ يتراكم تأثيرها على مدى فترة طويلة، كارتفاع مستوى سطح البحر أو الزيادة المستمرة في درجات الحرارة.
ومثال على المخاطر المناخية المادية هو موجة الحر التي ضربت المملكة المتحدة في عام 2022 حيث قدرت هيئة النقل في لندن (TfL) أنها خسرت 8 ملايين جنيه إسترليني بسبب انخفاض عدد الركاب الراغبين في السفر في حرارة 40 درجة مئوية بمقدار خمسة ملايين مسافر.
المخاطر المناخية الانتقالية
تنشأ المخاطر المناخية الانتقالية عند اتخاذ خطوات وإجراءات للتخفيف من آثار تغير المناخ. ويعتبر تقليل الانبعاثات أمراً أساسياً للحفاظ على استقرار المناخ على المدى الطويل، ويتطلب هذا التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري والأنشطة الأخرى التي تساهم في انبعاث الغازات الدفيئة. ومن الجدير بالذكر أن قطاع الطاقة يعتبر من أكثر القطاعات تأثرًا بهذه المخاطر، حيث يُنتج حوالي 80% من الطاقة العالمية من الوقود الأحفوري. يعني ذلك أن التحول نحو مصادر طاقة أنظف يمكن أن يسبب تحديات كبيرة للشركات العاملة في هذا المجال.
هناك عدة أنواع مختلفة من مخاطر التحول والانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري مخاطر سياسية مرتبطة بالسياسات المناخية وتسعير الكربون واللوائح التي تقيد المساهمين السلبيين في تغير المناخ. وأخرى قانونية تشير إلى الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ كدعوى منظمة كلايمت إيرثclimate earth ضد مجلس إدارة شل لفشله في إدارة مخاطر المناخ الخاصة به. كما ترتبط المخاطر السياسية والقانونية بمخاطر السمعة
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاطر تكنولوجية إذ يمكن أن يؤدي الانتقال إلى تقنيات أقل انبعاثات إلى تقليل الإيرادات للأعمال الحالية. تشمل الأنواع الأخرى من مخاطر التحول مخاطر السوق حيث يمكن أن تؤثر التغيرات الاقتصادية والاجتماعية على عرض وطلب السلع والخدمات.
ترتبط المخاطر السياسية والقانونية أيضًا بمخاطر السمعة، حيث تؤثر التصورات السلبية عن صناعة أو شركة ما عالية الانبعاثات على قيمتها، وتؤدي تلك التصورات إلى انخفاض الإيرادات وصعوبة الوصول إلى رأس المال وارتفاع تكاليف العمالة.
هل ترتبط المخاطر المناخية المادية بمخاطر التحول؟
تتداخل المخاطر المادية مع مخاطر التحول بشكل مثير للاهتمام، مما يجعل فهم هذه العلاقة أمراً بالغ الأهمية. فمع تصاعد المخاطر المادية مثل موجات الحر الشديدة، تزداد أيضًا التحديات المرتبطة بالتحول. فكلما زادت المخاطر المادية ارتفعت تكاليف العمل أو حتى تكلفة عدم اتخاذ أي إجراء، مما يجعل مخاطر التحول جزءًا لا يتجزأ من كل خيار يُتخذ.
لنتخيل مالك مصنع يواجه خطرًا متزايدًا من موجات الحر. أمامه خياران: إما أن يقوم بتكييف أصوله لمواجهة هذه التحديات، أو أن يستمر في العمل كالمعتاد. إذا اختار التكيف، فإنه سيتعين عليه تحمل تكاليف نقل وتحديث المعدات، وهي مخاطر تحول يجب أخذها بعين الاعتبار. أما إذا قرر تجاهل المخاطر المادية فسوف يواجه انخفاضًا في الإيرادات بسبب تدهور قدرة العمل، بالإضافة إلى تراجع قيمة الأصول في ظل تكيف المنافسين مع الظروف الجديدة.
لذا، فإن النظر إلى المخاطر المادية ومخاطر التحول بشكل متزامن عبر فترات زمنية وسيناريوهات مناخية مختلفة هو السبيل الوحيد للمنظمات لاتخاذ قرارات مستنيرة. ويمكن لهذا النهج أن يساعد الشركات في حماية نفسها من المخاطر المناخية المحتملة، ويضمن لها الاستمرار في المنافسة بنجاح في عالم يتغير بسرعة.
آثار المخاطر المناخية على القطاعات المختلفة
تؤثر المخاطر المناخية بشكل كبير على مختلف القطاعات، مما ينعكس على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فالتغيرات في أنماط الطقس ودرجات الحرارة القصوى ونقص المياه تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي. ويمكن أن تؤدي هذه التحديات إلى فشل المحاصيل، وخسائر في الثروة الحيوانية، مما يزيد من خطر نقص الغذاء وارتفاع الأسعار. كما أن تغير مواسم النمو وانتشار الآفات يزيد من الضغوط التي يواجهها المزارعون. بالإضافة إلى ذلك فإن إنتاجية الطاقة تتأثر أيضاً بتغيرات درجات الحرارة وهطول الأمطار. فعلى سبيل المثال، قد ينخفض توليد الطاقة الكهرومائية نتيجة نقص المياه، بينما يمكن أن تتسبب العواصف القوية في تدمير بنية الطاقة التحتية، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي. وأما بالنسبة لقطاع السياحة فإن التغيرات المناخية تؤثر على المناظر الطبيعية وعلى التنوع البيولوجي، مما يقلل من جاذبية الوجهات السياحية، ويمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة في الإيرادات للشركات السياحية.
إدارة المخاطر المناخية
تعتبر إدارة المخاطر المناخية عملية حيوية تهدف إلى تحديد وتقييم وتخفيف المخاطر المرتبطة بتغير المناخ. تشمل هذه العملية مجموعة من الاستراتيجيات والإجراءات التي تهدف إلى الحد من الآثار السلبية للمخاطر المناخية على النظم البيئية والبشرية والاقتصادات. وتشمل المكونات الرئيسية لإدارة المخاطر المناخية:
1-تحديد المخاطر
تبدأ رحلة إدارة المخاطر المناخية بتحديد وفهم التحديات والثغرات التي يفرضها تغير المناخ. ويتضمن ذلك إجراء تقييمات شاملة للمخاطر المرتبطة بالمناخ الحالية والمستقبلية، مثل الأحداث الجوية المتطرفة وارتفاع مستوى سطح البحر وتقلب درجات الحرارة والتغيرات في مواسم هطول الأمطار.
2. تقييم المخاطر
بعد تحديد المخاطر، يأتي دور تقييمها لفهم الآثار المحتملة واحتمالات حدوثها. حيث تساعد هذه الخطوة في تحديد أولويات المخاطر بناءً على شدتها، مما يمكّن من توجيه التدخلات بشكل فعال وتخصيص الموارد بالشكل الأمثل.
3. تخفيف المخاطر
تتضمن هذه المرحلة تنفيذ تدابير هيكلية وغير هيكلية تهدف إلى الحد من احتمالية وشدة التأثيرات السلبية. يمكن أن تشمل هذه التدابير بناء السدود، تحسين البنية التحتية، وتنفيذ حلول طبيعية كالتشجير. وقد تشمل التدابير غير الهيكلية تخطيط استخدام الأراضي، وأنظمة الإنذار المبكر مما يعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية.
4. تخطيط التكيف
تتضمن إدارة مخاطر المناخ أيضًا وضع خطط واستراتيجيات للتكيف بغية التحضير للتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ والاستجابة لها. ويشمل ذلك دمج الاعتبارات المناخية في خطط التنمية وتعزيز المرونة المناخية في السياسات.
5. الرصد والتقييم
تعتبر إدارة المخاطر المناخية عملية ديناميكية تتطلب مراقبة وتقييم مستمرين لتتبع التقدم، وتقييم الفعالية، وتعديل الاستراتيجيات حسب الحاجة. ويتضمن ذلك جمع البيانات حول المخاطر المرتبطة بالمناخ والإجراءات التكيفية لتوجيه عملية صنع القرار.
خلاصة
في خضم التحديات الجسيمة التي يفرضها تغير المناخ، تبرز أهمية فهم المخاطر المناخية وتطوير استراتيجيات فعالة لإدارتها. فاستثمارات اليوم في التكنولوجيا النظيفة والبنية التحتية المستدامة ستؤتي ثمارها غدًا، وستساهم في خلق فرص عمل جديدة ونمو اقتصادي مستدام. وإدارة المخاطر المناخية ليست مجرد استجابة للتحديات الحالية، بل هي استثمار في مستقبل أكثر أمانًا واستدامة. ففهم المخاطر المناخية وتداعياتها الاقتصادية يعدّ أمرًا بالغ الأهمية للشركات والمستثمرين. إذ أن إدارة هذه المخاطر بفعالية، يمكن المنظمات من تحويل التحديات إلى فرص، وبناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…