يشهد قطاع الطاقة العالمي تحولًا جذريًا لا يمكن إنكاره، حيث تقف أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (Battery Energy Storage Systems – BESS) في صلب هذا التحول، باعتبارها عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه لشبكات الكهرباء الحديثة والمستقبلية، فضلًا عن دورها المحوري في تسريع ثورة الطاقة النظيفة. هذا التحول المتسارع هو محور التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة (Climate Energy Finance – CEF) بعنوان “اتجاهات تصنيع الألواح الشمسية الكهروضوئية وأنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات دوليًا”. وبينما سيتم تناول الطاقة الشمسية في تحليل منفصل، يركّز هذا المقال حصريًا على أبرز ما يكشفه التقرير بشأن أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS)، من نمو هائل، وتحولات في التصنيع، وانخفاض في التكاليف، وابتكارات تقنية. ولا يقتصر التقرير على تأكيد أن (BESS) أصبحت واقعًا اقتصاديًا وتقنيًا لا يمكن تجاهله، بل يذهب أبعد من ذلك، منتقدًا التقديرات المتحفّظة لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، التي، وفقًا لتحليل (CEF)، تفشل في مواكبة الوتيرة الحقيقية لهذا التغيير في قطاعات البطاريات والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، مما يؤدي إلى فجوة متزايدة بين التوقعات الرسمية والواقع المتسارع.
نمو استثنائي في أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات عالميًا
يكشف التقرير عن نمو غير مسبوق في تركيبات أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS) على مستوى العالم. ففي عام 2024 وحده، تم تركيب أكثر من 207 جيجاواط\ساعة (GWh)، مسجلًا زيادة مذهلة بنسبة 53% مقارنة بالعام السابق.
ويبرز اتجاه واضح نحو تسارع تبني هذه التقنية على نطاقات أوسع ومدد تفريغ أطول من أي وقت مضى. ولم يعد من غير المألوف رؤية مشاريع تتجاوز سعتها 1 جيجاواط\ساعة. فقد شهد عام 2024 تشغيل 17 مشروعًا بهذا الحجم، مقارنةً بأربعة مشاريع فقط في عام 2022. أما الأكثر دلالة فهو التخطيط لتنفيذ 140 مشروعًا إضافيًا من هذا النوع بحلول نهاية عام 2026، من بينها 30 مشروعًا تتجاوز سعتها 2 جيجاواط\ساعة، في حين يصل أكبرها إلى 19 جيجاواط\ساعة.
وتشير التوقعات إلى أن عام 2025 سيشهد تركيب ما يقارب 350 جيجاواط\ساعة، أي أكثر من خمسة أضعاف ما تم تركيبه في عام 2022. وعلاوة على ذلك، يجري تطوير مشاريع عالمية للفترة ما بين 2025 و2030 تتجاوز سعتها الإجمالية 1 تيراواط\ساعة (TWh)، وهو ما يعكس الثقة المتزايدة في جدوى أنظمة التخزين بالبطاريات ودورها المستقبلي.
وقد جاءت بداية عام 2025 لتؤكد هذه التوقعات، إذ تم تركيب 13.6 جيجاواط\ساعة في يناير وحده. ومن بين المشاريع البارزة، دخل مشروعان بسعات ضخمة حيز التشغيل:
- نظام تخزين الطاقة بالبطاريات بسعة 2 جيجاواط\ساعة في المملكة العربية السعودية
- نظام تخزين الطاقة بالبطاريات بسعة 1.2 جيجاواط\ساعة في هوبي، الصين
هذا النمو السريع يعزز مكانة أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات كحل أساسي لدعم شبكات الكهرباء وتحقيق طموحات التحول نحو الطاقة النظيفة.
الصين تقود القاطرة
لا يمكن الحديث عن النمو الهائل في أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات دون الإشارة إلى الدور الريادي الذي تلعبه الصين. ففي عام 2024، استحوذت الصين على 70% من إجمالي التركيبات العالمية، حيث أضافت وحدها 43.7 جيجاواط \ 109.8 جيجاواط\ساعة (GWh)، مسجلةً زيادة سنوية مذهلة بنسبة 103% و136% على التوالي.
ووصل إجمالي السعة التراكمية لأنظمة التخزين في الصين إلى 78 جيجاواط \ 184 جيجاواط\ساعة بنهاية العام، متجاوزةً للمرة الأولى سعة التخزين المائي بالضخ، وهو ما يُعد إنجازًا تاريخيًا في مجال تخزين الطاقة.
كما يكشف التقرير عن هيمنة الصين المطلقة على سلسلة توريد أنظمة التخزين. إذ جاءت 93.6% من إجمالي سعة أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات المركبة عالميًا في عام 2024 من شركات صينية. ويعكس ذلك ليس فقط حجم الإنتاج الصيني، بل أيضًا التفوق التقني والقدرة التنافسية العالية لشركاتها في هذا القطاع الحيوي.
أسواق ناشئة واعدة
بينما تتصدر الصين والولايات المتحدة مشهد أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS)، مع تسجيل الولايات المتحدة تركيبات بلغت نحو 12.3 جيجاواط \ 37.1 جيجاواط\ساعة في عام 2024، يشير التقرير إلى زخم قوي في مناطق أخرى، لا سيما في الأسواق الناشئة.
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) تبرز كوجهة واعدة في هذا المجال، مع توقعات بوصول السعة المركبة إلى 120 جيجاواط\ساعة بحلول عام 2033، تتركز 44% منها في المملكة العربية السعودية. وتعكس صفقات ضخمة حجم الطموحات في المنطقة، مثل:
- اتفاقية شركة الكهرباء السعودية مع شركة BYD الصينية لتوريد 2.5 جيجاواط \ 12.5 جيجاواط\ساعة.
- مشروع مصدر الإماراتية العملاق الذي تبلغ سعته 19 جيجاواط\ساعة، وهو من بين أكبر المشاريع عالميًا.
من جهة أخرى، تسعى الهند إلى تحقيق قفزة كبيرة في هذا القطاع. ورغم انطلاقتها المتواضعة بسعة مركبة تبلغ 0.2 جيجاواط فقط حتى الآن، تشير التوقعات إلى وصولها إلى 66 جيجاواط بحلول عام 2032. ويعود ذلك إلى الدعم الحكومي المتزايد وتبني مشاريع هجينة ضخمة تجمع بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مع أنظمة تخزين البطاريات.
مشهد التصنيع العالمي
يؤكد التقرير بوضوح أن الصين ليست فقط أكبر سوق لتركيبات أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات، بل هي أيضاً القوة المهيمنة بلا منازع في تصنيع البطاريات. إذ تسيطر على 80-95% من مختلف مراحل سلسلة توريد بطاريات الليثيوم أيون والألواح الشمسية من استخراج المواد الخام إلى تصنيع الخلايا والتجميع النهائي.
ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 بلغت شحنات أنظمة تخزين الطاقة حوالي 202 جيجاواط\ساعة، محققةً زيادةً سنويةً بنسبة 42.8%.
وعلى صعيد القدرة التصنيعية، وتجاوزت الطاقة الإنتاجية العالمية للبطاريات 1.5 تيراواط \ساعة في 2024، بينما بلغ إجمالي الطلب 1 تيراواط \ساعة. وقد أدى هذا الفارق، الذي يصل إلى 2.5 مرة حجم الطلب السنوي (وفقاً لـ BNEF) إلى حالة من “الفائض الشديد في العرض” (severe overcapacity).
ونتيجة لهذا الفائض الهائل في العرض، حيث تُقدَّر القدرة التصنيعية العالمية حاليًا بما يتراوح بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف معدلات التركيب السنوية الفعلية، يقدم تقرير CEF توصية استراتيجية جريئة للصناعة العالمية، تدعو إلى “التعليق الفوري لجميع توسعات القدرات غير الضرورية لعدة سنوات”. وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة التوازن للسوق، وتجنب المزيد من الضغوط على الأسعار والهوامش، التي قد تؤدي إلى موجة إفلاس واسعة النطاق بين المصنعين الأقل قدرة على المنافسة، سواء في الصين أو خارجها.
هيمنة صينية مطلقة
تُرسّخ الصين هيمنتها المطلقة على سوق تصنيع البطاريات، مع استحواذ شركات كبرى مثل كاتل “CATL” وبي واي دي “BYD” وإي في إي إنيرجي “EVE Energy” على حصص سوقية ضخمة. وتشير التقديرات إلى أن شركتي CATL وEVE Energy وحدهما تسيطران على نحو 55% من سوق تصنيع أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات .
تستفيد هذه الشركات من عدة عوامل استراتيجية تمنحها تفوقًا عالميًا، أبرزها:
- وفورات الحجم الهائلة التي تقلل من تكاليف الإنتاج.
- التكامل الرأسي لسلاسل التوريد، والذي يشمل جميع المراحل بدءًا من التعدين والتكرير وصولًا إلى التصنيع النهائي.
- استثمارات مكثفة في البحث والتطوير (R&D) لتطوير تقنيات بطاريات أكثر كفاءة واستدامة.
- الأتمتة المتقدمة التي تعزز الإنتاجية وتقلل من الأخطاء البشرية.
- التكاليف التشغيلية المنخفضة مقارنة بالدول الغربية.
ومن أبرز الأمثلة على هذا التفوق الصناعي، مصنع CATL في مدينة فودينغ، الذي تبلغ سعته الإنتاجية الإجمالية 120 جيجاواط\ساعة (GWh). في إنجاز استثنائي، تمكنت الشركة من بناء وتشغيل المرحلة الخامسة من المصنع، التي تبلغ سعتها 25 جيجاواط\ساعة، في أقل من عام.
هذا المستوى من السرعة والكفاءة الإنتاجية يعد أمرًا شبه مستحيل في الغرب، حيث تواجه المشاريع الصناعية تحديات تنظيمية وبيئية ومالية أكثر تعقيدًا. ويعكس التفوق الصيني قدرة شركاتها على الابتكار والتكيف السريع مع متطلبات السوق، ما يجعلها في صدارة مشهد الطاقة العالمي.
تحديات التصنيع خارج الصين
بينما تواصل الصين هيمنتها على سوق تصنيع البطاريات، يواجه المصنعون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحديات جمة تهدد قدرتهم على المنافسة.
من أبرز هذه التحديات:
- ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنةً بالصين، حيث تتمتع الشركات الصينية بميزة وفورات الحجم والتكامل الرأسي لسلاسل التوريد.
- المنافسة الشرسة من الشركات الصينية التي توفر بطاريات بأسعار تنافسية، مستفيدة من فائض الإنتاج.
- تقلبات السياسات الداعمة في الدول الغربية، والتي تؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات في قطاع تصنيع البطاريات.
- تراجع الطلب على السيارات الكهربائية في بعض الأسواق، ما يضعف الحافز لتوسيع مصانع البطاريات.
يتجلى أحد أبرز الأمثلة على هذه التحديات في إفلاس شركة نورث فولت “Northvolt” السويدية، التي كانت تُعد درة تاج الصناعة الأوروبية في قطاع البطاريات. ورغم حصولها على دعم مالي وسياسي كبير، لم تتمكن الشركة من الصمود في مواجهة المنافسة الصينية وتباطؤ الطلب.
وفي الولايات المتحدة، عانت شركات مثل كور باور “KORE Power” وفرير باتاري “FREYR Battery “من انتكاسات مماثلة. فقد ألغت هذه الشركات خططًا لإقامة مصانع بتكلفة مليارات الدولارات، بسبب تجميد التمويل الحكومي وزيادة حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الصناعة.
تعكس هذه الإخفاقات الصعوبات التي تواجهها الدول الغربية في بناء سلاسل توريد مستقلة وتقليل الاعتماد على الصين. ولتعزيز تنافسيتها، قد تحتاج هذه الدول إلى تبني سياسات أكثر استقرارًا، وزيادة الاستثمارات في الأبحاث والتطوير، ودعم إنشاء بنى تحتية صناعية متكاملة.
استراتيجيات المواجهة
تتوقع شركة وود ماكنزي معدل نمو سنوي مركب قدره 10% لأنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات خلال عامي 2025 و2028. وترى CEF أن هذا التوقع متحفظ للغاية إذ أن السياسات الحمائية وفرض التعريفات الجمركية مثل زيادة التعريفات الأمريكية بنسبة 20% على السلع الصينية والتي يُتوقع أن ترفع أسعار أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات في أمريكا بنحو 35% غير كافية لمواجهة الهيمنة الصينية.
بدلاً من ذلك، يحذر التقرير من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تباطؤ التحول في قطاع الطاقة ورفع التكاليف على المستهلكين. ويوصي التقرير باعتماد استراتيجيات بديلة تقوم على التعاون والشراكات الاستراتيجية (Joint Ventures) مع الشركات الصينية الرائدة.
ويضرب التقرير مثالاً بشراكة ستيللانتيس “Stellantis” مع شركة كاتل “CATL” في إسبانيا، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوات تتيح الاستفادة من التكنولوجيا والخبرة الصينية، مع تعزيز القدرات المحلية لتطوير قطاع تخزين الطاقة بفعالية أكبر.
انهيار التكاليف: المحرك الرئيسي للانتشار
يشكل الانخفاض الكبير في تكاليف البطاريات أحد أهم العوامل الأساسية التي تعزز انتشارها عالمياً. فقد تراجع المتوسط العالمي المرجح لسعر بطاريات الليثيوم أيون إلى 115 دولاراً أمريكياً للكيلوواط\ساعة في عام 2024، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 20% مقارنة بعام 2023 وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2017.
الفجوة السعرية
على الرغم من أن هذا الرقم يمثل المتوسط العالمي، فإن الأسعار في الصين أقل بكثير، إذ بلغ المتوسط هناك 94 دولاراً لكل كيلوواط \ساعة بل وشهدت بعض المناقصات الضخمة في الصين أسعاراً تتراوح بين 61-82 دولاراً للكيلوواط\ساعة، فيما سجلت إحدى المناقصات رقماً قياسياً عالمياً بلغ 63 دولاراً للكيلوواط\ساعة في يناير 2025.
يُعزى هذا الانخفاض الحاد في الأسعار إلى عدة عوامل رئيسية أبرزها:
- فائض العرض الهائل: نتيجة التوسع الكبير في قدرات التصنيع الصينية.
- انخفاض أسعار المواد الخام: خاصة الليثيوم الذي تراجع سعره بأكثر من 22% في 2024.
- التحول التكنولوجي: مع تزايد الاعتماد على فوسفات حديد الليثيوم (LFP) وهو خيار أقل تكلفة مقارنةً بالخيارات الأخرى.
التوقعات المستقبلية
يتوقع الخبراء استمرار الاتجاه التنازلي في أسعار البطاريات. وتقدّر جولدمان ساكس “Goldman Sachs” وصول الأسعار إلى 64 دولاراً للكيلوواط\ساعة، بحلول 2030، بينما تتوقع ري كارينت ” Recurrent ” انخفاضها إلى 45 دولاراً للكيلوواط\ساعة، مدفوعة بالابتكارات والتطورات المستمرة في كثافة الطاقة واستمرار انخفاض أسعار المعادن.
من جانبها، تتوقع بلومبيرغ نيو إنرجي فاينانس “(BNEF” انخفاضاً إضافياً طفيفاً في الأسعار خلال عام 2025، مما يعزز فرص انتشار أنظمة تخزين الطاقة بشكل أكبر على مستوى العالم.
رؤى حول التكنولوجيا وسلاسل الإمداد
يشهد قطاع أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات تطوراً مستمراً على عدة أصعدة، من تكنولوجيا البطاريات إلى ديناميكيات سلاسل الإمداد، ما يساهم في تعزيز كفاءتها وخفض تكاليفها.
التطورات التكنولوجية
- الكيميائيات
يزداد الاعتماد على بطاريات فوسفات حديد الليثيوم (LFP) نظراً لتكلفتها المنخفضة، وأمانها العالي، وعمرها التشغيلي الأطول، خاصةً في تطبيقات التخزين الثابتة. في االمقابل، تتراجع هيمنة بطاريات النيكل والكوبالت والمنغنيز (NMC)، التي تتميز بكثافة طاقة أعلى ولكنها أكثر تكلفة وتعقيداً. - كثافة الطاقة
تعمل الشركات باستمرار على زيادة كثافة الطاقة لتخزين كميات أكبر في حجم أصغر. على سبيل المثال، أطلقت شركة Gotion High Tech الصينية حاوية BESS بقياس 20 قدماً وبسعة 7 ميجاواط\ساعة، ما يمثل زيادة بنسبة 40% في السعة، مع تقليص الحجم بنسبة 40% مقارنةً بالأنظمة التقليدية التي تبلغ سعتها 5 ميجاواط ساعة. - مدة التفريغ
يتزايد التركيز على تطوير بطاريات بمدة تفريغ أطول لتلبية احتياجات الشبكات الكهربائية لفترات ممتدة. في عام 2024، ارتفع متوسط مدة التفريغ في الصين إلى 2.3 ساعة، بينما بلغ في الولايات المتحدة 3.1 ساعة. علاوة على ذلك، ظهرت مناقصات تتطلب بطاريات بمدة تفريغ تصل إلى 8 ساعات، كما هو الحال في نيو ساوث ويلز بأستراليا، ما يعكس هذا الاتجاه المتزايد. - التقنيات المستقبلية
يواصل قطاع البحث والتطوير العمل على تقنيات الجيل القادم، مثل بطاريات الحالة الصلبة (Solid-State)، التي تعِد بتحقيق أمان أعلى وكثافة طاقة أكبر، مما قد يُحدث نقلة نوعية في مجال تخزين الطاقة.
ولا يقتصر تسارع الابتكار على تطبيقات التخزين الثابتة، بل يمتد ليشمل قطاع النقل الكهربائي، الذي يعتمد على التقنيات الأساسية ذاتها للبطاريات. وخير دليل على هذه الوتيرة المذهلة إعلان شركة BYD الصينية، في مارس 2025، عن تطوير قدرات شحن فائقة السرعة لسياراتها الكهربائية، تتيح إضافة مدى يصل إلى 400 كيلومتر في غضون 5 دقائق فقط. ولا تساهم هذه القفزات النوعية في التغلب على حاجز “قلق المدى” لدى المستهلكين فحسب، بل تؤكد أيضًا على السرعة الهائلة للتطورات التقنية الجارية في تكنولوجيا البطاريات، والتي تعيد تشكيل قطاعي النقل والطاقة بشكل متزامن وعميق.
سلاسل الإمداد
تواصل الصين فرض هيمنتها على سلاسل إمداد البطاريات، إذ تسيطر على ما بين 80% و95% من عمليات توريد المواد الخام، والمعالجة، والتصنيع. هذا التفوق يمنحها ميزة تنافسية هائلة، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف العديد من الدول بشأن أمن الإمدادات واستدامتها.
التكامل والأنظمة الهجينة: مستقبل الطاقة
يشير التقرير إلى الأهمية المتزايدة للأنظمة الهجينة التي تجمع بين الطاقة الشمسية و/أو طاقة الرياح مع أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات. ففي عام 2024، تم تركيب 30% من سعة أنظمة تخزين الطاقة العالمية بالشراكة مع مشاريع الطاقة الشمسية، ما يعكس تزايد الاعتماد على هذا النهج لتحقيق كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة وإدارة الشبكة.
قيمة أنظمة التخزين في الأنظمة الهجينة
- تعزيز القيمة الاقتصادية للطاقة الشمسية
تسهم أنظمة البطاريات في تخزين الطاقة الشمسية المنتجة خلال ساعات النهار، عندما تكون الأسعار منخفضة أو حتى سلبية في بعض الأسواق، ليتم بيعها خلال فترات ذروة الطلب المسائية، عندما تكون الأسعار أعلى.
على سبيل المثال، كشفت دراسة حالة في جنوب أستراليا أن إضافة BESS إلى مشروع طاقة شمسية أدى إلى زيادة الطاقة المصدرة بنسبة 33%، ورفع الإيرادات بنسبة 170%، مما يعزز العوائد الاقتصادية للمشاريع.
- تحسين استخدام الشبكة
تساعد أنظمة البطاريات في تخزين الطاقة عندما تكون هناك اختناقات في الشبكة، ليتم تصديرها لاحقاً عند الحاجة. هذا يقلل من الحاجة إلى استثمارات ضخمة وفورية في توسيع الشبكات الكهربائية، مما يخفف الضغط على البنية التحتية. - منافسة المصادر التقليدية
أصبحت الأنظمة الهجينة التي تضم الطاقة الشمسية مع BESS أكثر قدرة على المنافسة من حيث تكلفة الكهرباء المستوية (LCOE) مقارنةً بمحطات الفحم والغاز الجديدة. وتبرز هذه التنافسية في أسواق مثل الهند وألمانيا والصين والولايات المتحدة، مما يسرّع من عملية التحول نحو الطاقة النظيفة.
السيارات الكهربائية كبطاريات متنقلة (V2G)
يلقي التقرير الضوء أيضاً على الإمكانات الكبيرة للسيارات الكهربائية (EVs) كمصدر مرن لتخزين الطاقة من خلال تقنية “Vehicle-to-Grid” (V2G)، التي تتيح للسيارات ضخ الطاقة المخزنة في بطارياتها إلى الشبكة عند الحاجة.
- حجم هائل
يمكن لأسطول السيارات الكهربائية في أستراليا، على سبيل المثال، توفير سعة تخزين تتجاوز ثلاثة أضعاف احتياجات الشبكة الكهربائية بحلول عام 2050، مما يعزز مرونة الشبكة الكهربائية بشكل كبير.
- فوائد اقتصادية
يتيح نظام V2G لمالكي السيارات الكهربائية فرصة تحقيق دخل إضافي عبر تقديم خدمات دعم الشبكة، مثل خدمات التحكم في تردد الشبكة(FCAS). على سبيل المثال في نيو ساوث ويلز، قد يصل الدخل السنوي من هذه الخدمات إلى 12,000 دولار أسترالي، بينما تقدر الفوائد الاقتصادية الإجمالية بمليارات الدولارات نتيجة تقليل الحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية الجديدة.
- مبادرات عالمية
تستثمر العديد من الشركات الكبرى مثل CATL وNissan وFord وGM وHyundai في تطوير تقنيات ومنصات V2G. كما تعمل هذه الشركات بالتعاون مع الحكومات وشركات المرافق على إطلاق مشاريع تجريبية لتقييم الجدوى الاقتصادية والفنية لهذه التقنية، مما يمهد الطريق لتبنيها على نطاق أوسع.
خاتمة: أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات ضرورة استراتيجية وليست خياراً
يتضح من تقرير CEF أن أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات (BESS) قد تجاوزت مرحلة الابتكار الأولي لتصبح ركيزة أساسية في تحول الطاقة العالمي. فقد أدى النمو الهائل في التركيبات، إلى جانب الهيمنة الصينية على التصنيع، والانخفاض المستمر في التكاليف، والتطورات التكنولوجية المتسارعة، إلى ترسيخ مكانة هذه الأنظمة كمحرك رئيسي لمستقبل طاقة أكثر استدامة وموثوقية ومرونة.
كما أن التكامل العميق بين BESS ومصادر الطاقة المتجددة، إضافةً إلى الاستخدام المتزايد لتقنيات مثل السيارات الكهربائية كأنظمة تخزين متنقلة (V2G)، يعزز من دور هذه الأنظمة في دعم استقرار الشبكات الكهربائية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
في ظل هذا الواقع، أصبح الاستثمار في أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات ضرورة استراتيجية للدول والشركات الراغبة في الحفاظ على قدرتها التنافسية في سباق الطاقة النظيفة. فالمضي قُدماً في تبني هذه التقنيات لم يعد مجرد خيار مستقبلي، بل هو قرار حاسم لضمان استدامة وأمن الطاقة.
ومع استمرار الاتجاهات الحالية، من المتوقع أن تلعب BESS دوراً محورياً في رسم ملامح مشهد الطاقة العالمي خلال السنوات المقبلة، مما يجعلها أداة لا غنى عنها لتحقيق أهداف الحياد الكربوني وتعزيز مرونة أنظمة الطاقة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
المصدر: تقرير اتجاهات تصنيع الطاقة الشمسية الكهروضوئية وأنظمة تخزين الطاقة الشمسية (BESS) العالمية – CEF
image credit: canva