تشهد منطقة الشرق الأوسط، التي طالما اعتمدت على موارد النفط والغاز، تحوّلًا كبيرًا في قطاع الطاقة، مدفوعًا برغبة الدول في تنويع اقتصاداتها، والالتزام بالاتفاقيات المناخية، وتحقيق أهداف الحياد الكربوني، إلى جانب الانخفاض المتواصل في تكاليف إنتاج الطاقة المتجدّدة. وقد أصبحت الأهداف الطموحة لنشر الطاقة المتجدّدة سمة مشتركة بين دول المنطقة؛ فعلى سبيل المثال، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تأمين 50% من احتياجاتها من الكهرباء عبر مصادر متجدّدة بحلول عام 2030، في حين تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق 44% من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2050.
إلّا أنّ هذا التحوّل السريع، بالتوازي مع الارتفاع العالمي في الطلب على الكهرباء نتيجة النمو السكاني والصناعي، وزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، يضع ضغطًا متزايدًا على البنية التحتية للشبكات الكهربائية القائمة. ويُعدّ الازدحام المتنامي في شبكات الكهرباء أحد التحدّيات الكبرى التي تواجه أمن الطاقة، ويُعقّد مساعي التحوّل نحو منظومة طاقة أكثر استدامة على الصعيد العالمي.
وقد أبرز تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية (International Energy Agency) الدور الجوهري لشبكات الكهرباء بوصفها العمود الفقري لمنظومة الطاقة، إذ تُمكّن من ربط مصادر التوليد بالمستهلكين، وتؤمّن نقل الطاقة بكفاءة، وتُسهِم في موازنة العرض والطلب في بيئة طاقوية سريعة التحوّل.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على مفهوم ازدحام شبكات الكهرباء، ونستعرض أبرز أسبابه والتحدّيات المرتبطة به، كما نناقش الحلول الممكنة للتخفيف من وطأته وتعزيز كفاءة الشبكات، بما يضمن أمن الطاقة ويُسهم في تحقيق أهداف الاستدامة في المستقبل.
ازدحام شبكات الكهرباء: بين المفهوم والأسباب
تُعدّ شبكات الكهرباء العمود الفقري لمنظومة الطاقة الحديثة، إذ تؤدّي دورًا محوريًا في ربط مصادر التوليد بالمستهلكين، وضمان نقل الكهرباء بكفاءة، فضلاً عن موازنة العرض والطلب ضمن نظام طاقوي يشهد تحوّلات غير مسبوقة.
ويحدث ازدحام الشبكة عندما تفشل البنية التحتية الحالية في استيعاب تدفّقات الكهرباء بالكمّيات المطلوبة، ما يؤدي إلى اختناقات وقيود تعرقل نقل الطاقة من مواقع الإنتاج إلى أماكن الاستهلاك. ويترجم هذا عملياً إلى تحديات تقنية ملموسة مثل احتمالية تجاوز الحدود الحرارية للكابلات والمحولات، أو حدوث انخفاضات غير مقبولة في الجهد عند نقاط معينة في الشبكة، وفي الحالات الأكثر تعقيداً، قد يمسّ بقضايا الاستقرار الديناميكي للنظام ككل، مما يهدد موثوقية الإمداد.
ويُعزى هذا الخلل أساسًا إلى عدم التناسق بين وتيرة توسيع الشبكة من جهة، والنمو المتسارع في الطلب على الكهرباء من جهة أخرى، مدفوعًا بالاستخدام الصناعي، واحتياجات التبريد، واعتماد المركبات الكهربائية، وانتشار مراكز البيانات، إلى جانب التوسّع في مصادر الطاقة المتجدّدة المتقلّبة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وفي بعض الحالات، تؤدّي السياسات الهادفة إلى دعم استخدام الطاقة المتجدّدة، مثل نظام صافي القياس (Net Metering)، إلى نتائج عكسية إذا لم تُصمَّم بما يتناسب مع قدرات الشبكة واحتياجات النظام الكهربائي. إذ إن هذه السياسات قد تُشجّع على ضخّ الكهرباء في أوقات لا تخدم الشبكة فعليًا، مما يفاقم من حدة الاختناقات القائمة.
أسباب ازدحام الشبكات
يتفاقم تحدي ازدحام شبكات الكهرباء العالمية نتيجة تضافر عاملين رئيسيين؛ أولهما الارتفاع المتواصل في الطلب على الكهرباء، المدفوع بالنمو الصناعي، والتوسع في استخدام أنظمة التبريد والتدفئة، وزيادة أساطيل السيارات الكهربائية، والاعتماد المتنامي على مراكز البيانات كثيفة الاستهلاك. بالإضافة إلى التوسع الكبير في مشاريع الطاقة المتجددة، والذي رغم ضرورته الحتمية لتحقيق أهداف إزالة الكربون، إلا أنه يضيف بدوره ضغطًا كبيرًا نظرًا لطبيعة هذه المصادر المتقلبة وغير المنتظمة، مما يزيد من صعوبة التنبؤ بالإنتاج ويُعقّد إدارة الإمدادات.
يكمن السبب الجذري لهذا الازدحام في الفشل المزمن في توسيع وتحديث البنية التحتية للشبكات بما يواكب هذه التحولات المتسارعة. فقد صُممت معظم الشبكات القائمة وفق نموذج تقليدي مركزي يعتمد على تدفقات طاقة أحادية الاتجاه ويمكن التنبؤ بها، في حين يتطلب النظام الحديث استيعاب مصادر طاقة موزعة ومتغيرة وتدفقات ثنائية الاتجاه. كما أن عمليات التخطيط والترخيص وبناء خطوط النقل والمحطات الفرعية الجديدة غالبًا ما تكون طويلة ومعقدة، وتتضمن عقبات تنظيمية ومجتمعية متعددة تؤخر بشكل كبير تنفيذ الترقيات الضرورية.
يُضاف إلى ذلك، ضعف الأطر التنظيمية والحوافز الاقتصادية التي قد لا تشجع بالقدر الكافي على الاستثمارات الاستباقية في تحديث الشبكات وتعزيز مرونتها، مما يؤدي غالبًا إلى معالجة الازدحام بشكل تفاعلي بعد تفاقمه بدلًا من التخطيط المسبق. وتشمل هذه التحديات التنظيمية الدقيقة، على سبيل المثال لا الحصر، غياب آليات واضحة ومُحفزة لاسترداد تكاليف الاستثمارات الضرورية في تقنيات الشبكات الذكية والبنية التحتية للمرونة مثل تخزين الطاقة، والحاجة الماسة إلى تحديث وتطوير نماذج تسعير استخدام الشبكة بحيث تعكس بشكل أدق التكاليف والمنافع المكانية والزمانية لتدفقات الطاقة، مما يوجه كلاً من قرارات الاستثمار والسلوك التشغيلي نحو الكفاءة المثلى للنظام. لعل معالجة هذا التحدي المتشعب تتطلب ليس فقط استثمارات ضخمة، بل أيضًا إعادة تفكير جذرية في آليات تخطيط وتشغيل الشبكات، وتبني نهج استباقي يركز على توقع الاحتياجات المستقبلية وتطوير هياكل تنظيمية وسياسات تحفيزية تدعم بناء بنية تحتية قادرة على مواكبة مشهد الطاقة المتغير.
التحديات المتنامية لازدحام الشبكة في الشرق الأوسط
يشكّل ازدحام شبكات الكهرباء تحدّيًا متزايدًا في منطقة الشرق الأوسط، في ظلّ تسارع التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة، وتنامي الطلب على الكهرباء، وتفاوت جاهزية البنية التحتية.
النمو السريع للطاقة المتجدّدة مقابل جاهزية الشبكة
في الوقت الذي تُسرّع فيه دول مثل السعودية والإمارات وتيرة تنفيذ مشاريع الطاقة المتجدّدة على نطاق واسع، تبقى الشبكات الكهربائية القائمة عاجزة عن مواكبة هذا التوسع. فقد صُمّمت هذه الشبكات، في معظمها، لتلبية نموذج التوليد المركزي بالاعتماد على الوقود الأحفوري، وهي تجد صعوبة في دمج مصادر الطاقة المتجدّدة المتقطّعة بسلاسة وكفاءة.
وقد برز تناقض واضح بين الطموحات الاستراتيجية لنشر الطاقة المتجدّدة وبين الجاهزية الفعلية للشبكات، لا سيّما في منطقة الخليج، حيث لم تتجاوز حصة الطاقة المتجدّدة 2% من إجمالي القدرة الإنتاجية في عام 2022، رغم توافر الموارد الطبيعية الغنية والإمكانات التقنية العالية.
دوافع نمو الطلب
تواجه المنطقة أيضًا ضغوطًا متزايدة من جهة الطلب على الكهرباء، نتيجة عدّة عوامل متشابكة، أبرزها النمو السكاني، وتوسّع المشاريع الكبرى مثل مشروع “نيوم” في المملكة العربية السعودية، إلى جانب النمو الصناعي، وتزايد احتياجات التبريد، وعمليات تحلية المياه—لا سيّما التحوّل إلى تقنية التناضح العكسي (Reverse Osmosis)—وكذلك كهربة قطاع النقل. كلّ هذه العوامل تؤدّي إلى تسارع كبير في استهلاك الكهرباء، ما يزيد من الضغط على الشبكات.
قيود البنية التحتية
تُعدّ البنية التحتية المتقادمة في بعض الدول، مثل العراق والأردن، من أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى اختناقات هيكلية في الشبكة. أما في الدول الأغنى، فعلى الرغم من توفر الموارد، لا يزال تحديث الشبكة يسير بوتيرة أبطأ من التوسّع في مشاريع الطاقة المتجدّدة.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (International Energy Agency)، فإن ازدحام الشبكة يتسبب في تأخيرات كبيرة في ربط المشاريع الجديدة، سواء في قطاع الطاقة المتجدّدة أو الإسكان أو الصناعة. كما يُضعف ذلك من أمن الطاقة ويُبطئ عجلة التنمية الاقتصادية، ويؤدّي إلى تحميل المستهلكين تكاليف إضافية عبر رسوم إدارة الازدحام.
انعكاسات ازدحام الشبكة في الشرق الأوسط: عائق أمام التحوّل الطاقي والتنويع الاقتصادي
تتجلّى تأثيرات ازدحام الشبكة الكهربائية بشكل واضح في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبحت تمثّل عقبة حقيقية أمام تحقيق الطموحات الطاقوية والاقتصادية للدول. وتظهر هذه التأثيرات على شكل:
إعاقة أهداف الطاقة المتجدّدة
تُشكّل قيود الشبكة تهديدًا مباشرًا لتحقيق أهداف الطاقة المتجدّدة الطموحة، مثل “رؤية السعودية 2030” و”استراتيجية الإمارات للطاقة 2050″، وكذلك لجهود التنويع الاقتصادي التي ترتكز على توافر طاقة نظيفة وموثوقة. ويُعدّ التحدّي الأكبر هو الحاجة إلى تحويل البنية التحتية المصمّمة تقليديًا لخدمة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري، إلى بنية قادرة على استيعاب مصادر الطاقة المتجدّدة المتقلّبة والمتوزّعة.
مخاوف أمن الطاقة
في الدول المعتمدة على استيراد الطاقة، مثل الأردن الذي بلغ اعتماده على الاستيراد 93% في عام 2021، تؤدي قيود الشبكة إلى تفاقم هشاشة أمن الطاقة الوطني. أمّا في الدول المصدّرة للنفط، فالتزايد السريع في الاستهلاك المحلي للكهرباء يهدّد بتقليص كميات النفط والغاز المتاحة للتصدير، مما يؤثّر سلبًا على العائدات إذا لم تُحدّث الشبكات لتستوعب الطلب وتدمج الطاقة المتجدّدة منخفضة التكلفة بفعالية. ويبرز العراق كمثال واضح على هذه التحدّيات، حيث يُفاقم تقادم الشبكة أزمة الطاقة المزمنة.
التكاليف الاقتصادية الباهظة
رغم غياب بيانات تفصيلية حول التكلفة المباشرة لازدحام الشبكة في الشرق الأوسط، إلا أنّ تجارب دول مثل هولندا وألمانيا تُظهر حجم العبء المالي الذي يمكن أن ينجم عن هذه المشكلة. وفي الأردن، تواجه شركة الكهرباء الوطنية (NEPCO) مديونية كبيرة، يعود جزء منها إلى مشاكل في الشبكة، وتكاليف إدارة التقلّبات، إضافة إلى الالتزامات المالية الناتجة عن عقود شراء طاقة طويلة الأمد بأسعار مرتفعة.
كما تتطلّب توسعة الشبكات استثمارات ضخمة؛ فعلى سبيل المثال، قدّرت السعودية حاجتها إلى نحو 1.8 مليار دولار لتوسيع شبكة الكهرباء خلال الفترة من 2023 إلى 2028.
الترابط بين تحديث الشبكات والتنويع الاقتصادي
يُعدّ الاستثمار في تحديث شبكات الكهرباء ركيزة أساسية لإنجاح استراتيجيات التحوّل الاقتصادي في دول المنطقة، لا سيّما في دول مجلس التعاون الخليجي التي ربطت بوضوح بين انتقال الطاقة واستراتيجيات التنويع الاقتصادي. فقيود الشبكة، بما فيها الازدحام وصعوبة دمج الطاقة المتجدّدة، تُشكّل عائقًا ماديًا واقتصاديًا حقيقيًا أمام إطلاق الصناعات الجديدة، وتطوير المدن الذكية مثل “نيوم”، وبناء اقتصادات رقمية تتطلّب إمدادات كهربائية موثوقة، نظيفة، وبأسعار تنافسية.
إنّ الفشل في إعطاء الأولوية الكافية لتمويل تحديث الشبكات، بالتوازي مع تسريع مشاريع الطاقة المتجدّدة، قد يقوّض أجندات التنويع الاقتصادي، ويُبقي دول المنطقة رهينة للاعتماد على الهيدروكربونات، بالرغم من الالتزامات المُعلنة. وبالتالي، فإنّ الاستثمار في الشبكات لم يعد مجرّد ملف تقني في قطاع الطاقة، بل بات شرطًا أساسيًا للتحوّل الاقتصادي الوطني.
الحلول المقترحة
تسريع تطوير الشبكات الحالية والجديدة
يُجمع الخبراء على ضرورة تسريع وتيرة تخطيط وتصريح وبناء خطوط نقل ومحطات فرعية جديدة لتعزيز قدرة الشبكة الكهربائية، في ظل تزايد الضغوط عليها. وفي الوقت نفسه، ينبغي التركيز على تعظيم الاستفادة من البنية التحتية القائمة، وتحسين كفاءتها التشغيلية. ويبرز هنا دور ما يُعرف بـ “التقنيات المعززة للشبكة” (Grid Enhancing Technologies – GETs)، وهي مجموعة من الحلول المتقدمة التي تتيح زيادة سعة الشبكات القائمة بفعالية عالية من حيث التكلفة مقارنةً بالوقت والتكاليف المرتبطة ببناء خطوط نقل جديدة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبنّي تقنيات متقدمة مثل إعادة التوصيل الكهربائي باستخدام موصلات حديثة عالية السعة، ورفع مستوى الجهد في الخطوط الحالية، وتطبيق أنظمة التقييم الديناميكي لقدرة الخطوط (Dynamic Line Rating – DLR) التي تسمح باستغلال السعة الحقيقية للخطوط بناءً على الظروف الجوية اللحظية بدلاً من الاعتماد على تقديرات ثابتة ومُحافظة، إلى جانب استخدام أنظمة التحكم المتقدمة في تدفق الطاقة (Flexible AC Transmission Systems – FACTS) التي تُمكّن من توجيه تدفقات الطاقة بمرونة أكبر وتحسين استقرار الشبكة، فضلاً عن اعتماد ممارسات تشغيل مبتكرة تتيح زيادة السعة من دون الحاجة إلى توسعات مادية كبيرة.
تعزيز الشفافية والاستفادة من موارد الطاقة الموزعة
تسهم زيادة الشفافية وتوفير معلومات دقيقة حول قدرة الشبكة المتاحة —مثل خرائط تفاعلية للطاقة— في تحديد أولويات الاستثمار، وجذب حلول تقنية جديدة. ويُعَدّ الاستغلال الأمثل للمرونة التي توفرها موارد الطاقة الموزعة، مثل الألواح الشمسية على الأسطح، وبطاريات التخزين المنزلية، والمركبات الكهربائية القادرة على التفاعل مع الشبكة، والأجهزة الذكية، محورياً في إدارة الازدحام. ويتطلب هذا الأمر تطوير الشبكات باستخدام تقنيات ذكية تتيح اتصالاً وتحكماً أفضل بهذه الموارد اللامركزية، إضافة إلى تصميم وتنفيذ إشارات سعرية فعّالة تُحفّز المستهلكين والمنتجين (prosumer) على تعديل أنماط استهلاكهم وتوليدهم للطاقة تماشياً مع ظروف الشبكة اللحظية.
أهمية أنظمة تخزين الطاقة والأطر التنظيمية المرنة
وفي السياق ذاته، تبرز أهمية أنظمة تخزين الطاقة على مستوى المرافق، لدورها في امتصاص فائض الإنتاج من المصادر المتجددة خلال فترات الذروة، وإطلاقه عند الحاجة، ما يعزز التوازن ويخفف الضغط عن خطوط النقل. ويتطلب تحقيق ذلك وجود أطر قانونية وتنظيمية مرنة وداعمة، تمكّن من الاستخدام الأكفأ للشبكات الحالية، وتُشجع على الابتكار. ويمكن أن تشمل هذه الأطر تمكين الجهات التنظيمية ومشغلي الأنظمة من تطبيق تعريفات مرنة لاستخدام الشبكة، وتفعيل آليات تسمح للأحمال القابلة للتحكم باستهلاك طاقة متجددة كانت ستُخفّض لولا ذلك، إضافة إلى إتاحة المجال لنماذج مبتكرة مثل “محطات الطاقة الهجينة” التي تجمع بين مصادر توليد متعددة وأنظمة تخزين، لتوظيف نقطة الربط بالشبكة بشكل أمثل. ومن المهم التحول إلى نهج استباقي في تخطيط توسعة الشبكات يتماشى مع السياسات الوطنية طويلة الأجل للطاقة، ويأخذ في الحسبان أنماط التوليد والاستهلاك المستقبلية.
تعزيز الربط الكهربائي الإقليمي
وإلى جانب الحلول على المستوى الوطني، يمثل تعزيز وتوسيع نطاق الربط الكهربائي الإقليمي أداة استراتيجية بالغة الأهمية لمعالجة تحديات الازدحام وتعزيز المرونة. فمنصات مثل هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي (GCCIA)، وما يماثلها من مبادرات ربط إقليمية أخرى، تتيح مشاركة موارد التوليد والاحتياطي بين الدول، مما يساعد على موازنة تقلبات مصادر الطاقة المتجددة على نطاق جغرافي أوسع، ويخفف الضغط على شبكات النقل المحلية في أوقات الذروة أو عند حدوث أعطال، ويزيد من المرونة الإقليمية الشاملة، وبالتالي يقلل الحاجة إلى استثمارات محلية قد تكون مفرطة في قدرات التوليد الاحتياطية والتخزين. ويُستحسن الاستفادة من أفضل الممارسات والتجارب الدولية في هذا السياق.
أسواق الكهرباء وإستراتيجية شاملة ومتكاملة
كما أنه من شأن تصميم أسواق كهرباء تتيح إشارات سعرية مكانية وزمانية دقيقة تعكس قيود الشبكة الواقعية، أن يوجّه الاستثمارات إلى المناطق ذات السعة الاستيعابية الأكبر. في المحصلة، تقتضي معالجة ازدحام الشبكات الكهربائية استراتيجية شاملة ومتكاملة، تجمع بين تحديث البنية التحتية، وتطبيق الحلول التكنولوجية الذكية، وتنفيذ إصلاحات تنظيمية فعالة، إلى جانب تطوير سياسات سوق محفّزة. فالمعالجة الفعالة لهذا التحدي المعقّد لا يمكن أن تعتمد على حل واحد، بل تتطلب تضافر الجهود وتنوّع الأدوات لضمان شبكة كهرباء مرنة، تستوعب التحول المتسارع نحو نظام طاقة لا مركزي يعتمد على المصادر المتجددة، ويعزز دور المستهلكين المنتجين في منظومة الطاقة المستقبلية.
الخلاصة
في الختام، يتبيّن بوضوح أن ازدحام الشبكات الكهربائية يمثّل تحدياً محورياً واستراتيجياً لمنطقة الشرق الأوسط، إذ يُشكّل عقبة حقيقية أمام تحقيق طموحاتها في تحوّل الطاقة، وتنويع الاقتصاد، وضمان أمن الإمدادات، كما تؤكد ذلك الأدلة الإقليمية وتوصيات وكالة الطاقة الدولية. ومع ذلك، تمتلك المنطقة الإمكانات والأدوات اللازمة لمواجهة هذا التحدي، من خلال تبنّي مسار متعدد الأبعاد يتطلّب تحركاً منسقاً وحاسماً. ويشمل هذا المسار تسريع التوسّع المدروس في الشبكات، وتحسين كفاءة الأصول القائمة باستخدام التقنيات الذكية، إلى جانب نشر موارد المرونة على نطاق واسع، ولا سيّما حلول تخزين الطاقة وموارد الطاقة الموزّعة، وتعزيز الربط الكهربائي الإقليمي الفعّال. كما تُعدّ إعادة هيكلة السياسات والتنظيمات والأسواق خطوة جوهرية، من خلال أطر حديثة تُمكّن وتُشجّع على الابتكار، وتُثمّن المرونة، وتُعزز الشفافية. وللمضي قُدُماً، ينبغي على دول المنطقة إعطاء الأولوية للتخطيط الاستباقي للشبكات في إطار استراتيجياتها الوطنية، وتسريع الاستثمارات في حلول المرونة، وتنفيذ إصلاحات تنظيمية وسوقية فعّالة، بالإضافة إلى تعميق التعاون الإقليمي ومعالجة التحديات المستقبلية مثل الأمن السيبراني وتنمية الكفاءات البشرية. فالتغلب على قيود الشبكة لا يُعدّ مجرد تحدٍ تقني، بل هو ضرورة استراتيجية حاسمة لضمان نجاح تحوّل الطاقة في الشرق الأوسط، وتحقيق رخاء اقتصادي مستدام، وتأمين موقعها في قطاع الطاقة العالمي المتحوّل، وهو ما يستدعي تضافر جهود الحكومات والهيئات التنظيمية والقطاع الخاص والمستهلكين على حدٍ سواء.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…