يُعَدّ المغرب من الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ يُصنَّف كالدولة الوحيدة في المنطقة ضمن قائمة أفضل 20 دولة في مؤشر جاذبية الطاقة المتجددة الصادر عن شركة “إرنست ويونغ” (Ernst & Young). ويُبرِز هذا التصنيف الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها المغرب في استغلال مصادره الوفيرة من الطاقة الشمسية والريحية.
وقد حدَّد المغرب أهدافًا طموحة يسعى إلى تحقيقها بحلول عام 2030، من أبرزها أن تشكّل الطاقة المتجددة نسبة 52% من إجمالي القدرة الكهربائية المركبة. ولا تقتصر غاية هذا التحوّل على إعادة تشكيل قطاع الكهرباء، بل تمتد لتشمل تغييرًا عميقًا في البنية الصناعية، ولا سيّما في قطاعات حيوية مثل تعدين الفوسفات، وصناعة الأسمدة، والصناعات الغذائية الزراعية.
ويعمل المغرب على خفض البصمة الكربونية لقطاعاته الصناعية من خلال توظيف موارد الطاقة النظيفة، إلى جانب جذب الاستثمارات في مجال التصنيع الأخضر. وترتكز استراتيجيته في الاستدامة على منظومة مترابطة تجمع بين الغذاء والماء والطاقة، ما يُسهم في تحقيق تنمية اقتصادية منسجمة مع متطلبات الحفاظ على البيئة.
ومن خلال دمج الطاقة المتجددة في قطاعات محورية، كالفوسفات والأسمدة وإدارة الموارد المائية، يُقدّم المغرب نموذجًا يُحتذى به للدول النامية في كيفية الموازنة بين النمو الصناعي والاستدامة البيئية. ومع تنامي الطلب العالمي على التصنيع المستدام، تُعزّز السياسات الرشيدة والاستثمارات الاستباقية التي ينتهجها المغرب موقعه في طليعة الثورة الصناعية الخضراء، وتكرّس ريادته في مجال التصنيع المعتمد على الطاقة المتجددة.
الهيدروجين الأخضر ودوره في تحوّل القطاع الصناعي المغربي
يُعَدّ الاتجاه نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، المُنتَج من الكهرباء المتجددة كالشمس والرياح، من أبرز ملامح الثورة الخضراء التي يشهدها المغرب. وبصفته أحد أكبر منتجي الفوسفات ومصدّري الأسمدة على مستوى العالم، يُشكّل تحوّله من استخدام الهيدروجين الرمادي، المعتمد على الوقود الأحفوري، إلى الهيدروجين الأخضر خطوةً محورية لضمان استدامة ومرونة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية.
انطلقت مسيرة المغرب في هذا المجال عام 2018، حين وقّعت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP Group) اتفاقية شراكة مع معهد فراونهوفر الألماني (Fraunhofer Institute)، لتطوير مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وقد مثّلت هذه الاتفاقية أول تعاون رسمي بين المغرب وألمانيا في هذا المجال، ممّا مهّد الطريق لإنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق صناعي واسع.
ومع توسع هذه المبادرات، يُنتظر أن تحلّ الأمونيا الخضراء المنتَجة محليًا محلّ نظيرتها الرمادية المستوردة، ما يمنح المغرب استقلالية صناعية أكبر، ويُسهم في تقليص انبعاثاته الكربونية بشكل ملموس.
وفي هذا السياق، يبرز مشروع محطة “هيفو” (HEVO) الأيرلندية البرتغالية، بوصفه أكبر مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء في طور التطوير بالمغرب، إذ يُتوقع أن تبلغ طاقته الإنتاجية 183,000 طن سنويًا بحلول عام 2026، وهو ما يُغطّي نحو 10% من احتياجات مجموعة OCP.
كما استثمرت المجموعة ذاتها مبلغ 7 مليارات دولار في إنشاء مصنع جديد لإنتاج الأمونيا الخضراء، بهدف إحلال واردات سنوية من الأمونيا الرمادية، تُقدَّر قيمتها بنحو ملياري دولار، بإنتاج محلّي. ومن المنتظر أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع إلى 200,000 طن سنويًا بحلول عام 2026، على أن ترتفع إلى مليون طن في 2027، ثم إلى 3 ملايين طن بحلول عام 2032.
ولا تقتصر أهمية الأمونيا الخضراء على استخداماتها في صناعة الأسمدة، بل تمتد لتشمل إمكانية تصديرها إلى الأسواق الأوروبية وشرق آسيا، حيث تتزايد الحاجة إلى الوقود النظيف والتطبيقات الصناعية منخفضة الانبعاثات.
إمكانات المغرب في التصنيع المستدام
تعزّز المغرب مكانته الريادية في مجال التصنيع الصناعي المستدام، مستندًا إلى احتياطياته الضخمة من الفوسفات، والتي تمثّل أكثر من 73% من المخزون العالمي. وتعمل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وهي أكبر شركة عالمية في تعدين الفوسفات وإنتاج الأسمدة، على مواءمة عملياتها الصناعية مع توجه المغرب نحو الطاقة المتجددة، مما يجعلها ركيزة أساسية في التحوّل الصناعي الأخضر للبلاد.
وفي ظلّ التوجّه الوطني نحو اقتصاد صناعي قائم على الطاقة النظيفة، يُسهم التقدّم الذي أحرزه المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر، والتكامل الواسع لمصادر الطاقة المتجددة، في ترسيخ موقعه كقوة عالمية في مجال الاستدامة الصناعية.
وتنعكس الرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد للمغرب في مبادرة “الجيل الأخضر 2020-2030″، التي تُعد امتدادًا لمخطط “المغرب الأخضر” السابق، وتهدف إلى تعزيز الاستدامة الزراعية من خلال التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، وتبني تقنيات متقدمة لإدارة الموارد المائية.
وفي الإطار ذاته، يواصل المغرب تنفيذ استثمارات كبرى في مجال تحلية المياه، ضمن “البرنامج الوطني للماء 2020-2050” الذي تصل تكلفته إلى نحو 40 مليار دولار. ويهدف هذا البرنامج إلى ضمان الأمن المائي، ودعم استدامة القطاعات الصناعية والزراعية على حدّ سواء.
وتُبرز هذه المبادرات كيف نجح المغرب في دمج الطاقة الخضراء ضمن بنيته التحتية الحيوية، متجاوزًا حدود إنتاج الكهرباء التقليدية، ومُكرّسًا مكانته كدولة رائدة في التصنيع الصناعي المسؤول بيئيًا والمستدام عالميًا.
كتبته: Malayna Ahmed
ترجمته للعربية: بسمه عبود
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…