تواجه إفريقيا وضعاً إنسانيّاً وبيئيًاً حرجاً، يسود فيه الجوع وسوء التغذية من جهة وارتفاع درجات الحرارة والجفاف من جهة اخرى. وقد أظهر تقرير حالة المناخ في افريقيا لسنة 2019 تهديدات متزايدة على صحة الإنسان، حيث يضرب تغير المناخ أكثر الفئات ضعفاً في إفريقيا، ويساهم في انعدام الأمن الغذائي، وتشريد السكان، والضغط على موارد المياه.
من رماد هذه الأزمة بزغ فجر جديد، إذ عمل ناشطوا حماية البيئة في إفريقيا مذ سنوات على مشروع ضخم يتمثل في زراعة حزام أخضر يمتد في منتصف القارة الإفريقية من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. إنه مشروع السور الأخضر العظيم الذي يُنظر له كأعجوبة العالم الجديدة.
السور الأخضر العظيم: مبادرة عظيمة في الساحل الإفريقي
أطلق الاتحاد الأفريقي عام 2007 مبادرة السور الأخضر العظيم «Great Green Wall – GGW» لاستعادة المناظر الطبيعية المتدهورة في واحدة من أفقر مناطق العالم، وهي منطقة الساحل الإفريقي وتهدف المبادرة إلى إعادة تخضير المنطقة وتشجيرها وتجديدها بحلول عام 2030.
موقع السور والمساحة
يمتد السور الأخضر العظيم من السنغال في غرب إفريقيا إلى جيبوتي في شرق إفريقيا، على مسافة 8,000 كيلومتر وبعرض حوالي 15 كيلومتراً.
تمتد المساحة الإجمالية لمبادرة «GGW» إلى 156 مليون هكتار، ويعد الجزء الأكبر منه في دول النيجر ومالي وإثيوبيا وإريتريا.
أهمية السور
يؤدي إنشاء حزام أخضر عملاق جنوب الصحراء إلى وقف التصحر وتدهور الأرض والمساعدة في الحفاظ على سبل العيش، وتعزيز الأمن الغذائي، وخلقُ فرص اقتصادية في المنطقة.
تعاون دولي لتحقيق هدف سامي
تشارك أكثر من 20 دولة أفريقية في المبادرة لكن الدول الإحدى عشر المختارة كمناطق تدخل للسور الأخضر العظيم هي: بوركينا فاسو، تشاد، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال، والسودان.
وتجمع المبادرة بين البلدان الأفريقية والشركاء الدوليين، تحت قيادة مفوضية الاتحاد الأفريقي والوكالة الأفريقية للجدار الأخضر العظيم.
لسنوات، كان المشروع يعاني من نقص التمويل، ولكن في يناير الماضي، تعهد المجتمع الدولي بحوالي 14 مليار دولار، أي ما يقرب من نصف مبلغ 33 مليار دولار الذي يقول الاتحاد الأفريقي إنه سيكون المبلغ اللازم لاستكمال الجدار بحلول عام 2030.
أهداف مبادرة السور الأخضر العظيم
مبادرة السور الأخضر العظيم هي مشروع إعادة تشجير يهدف إلى تغيير حياة الملايين الذين يعيشون في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ.
تتمثل أهداف هذا المشروع في استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي، وعزل 250 مليون طن من الكربون، وخلق 10 ملايين فرصة عمل خضراء في المناطق الريفية بالقارة السمراء.
بدأ المشروع كمبادرة لإعادة التحريج (أي إعادة تشجير الغابات)، لكنه نما ليصبح خطة أوسع وأكثر طموحاً للتنمية البيئية والاقتصادية والاجتماعية. فلقد كانت أجزاء كبيرة من الجدار المقترح غير مأهولة بالسكان، مما يعني أنه لن يكون هناك أحد لرعاية الشتلات، مما دفع مطورو المشروع لوضع مجموعة من التدخلات الشاملة والناجعة مثل استعادة السافانا والأشجار والأراضي العشبية والنباتات وإدارتها بشكل مستدام.
[bsa_pro_ad_space id=3]
كما تتضمن رؤية «GGW» لعام 2030 الطموح بأن تتمكن المنطقة من لعب دورها في تحقيق أهداف المناخ العالمية وتنمية الفرص الاقتصادية للفئات الأشد ضعفاً من السكان والأقل حظاً وتنمية الأمن الغذائي للملايين الذين يعانون من الجوع كل يوم، بالإضافة إلى تنمية القدرة على التكيف مع المناخ في منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل أسرع من أي مكان آخر على وجه الأرض
يمثل عام 2021 بداية عقد استعادة النظام الإيكولوجي بالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والجدار الأخضر العظيم هو مثال ملهم على هذا.
ما بعد فعاليات قمة "كوكب واحد"
التمويل … هل هو كافي لتحقيق الهدف؟
توصل المشاركون في قمة ” كوكب واحد ” في دورتها الرابعة التي أقيمت في فرنسا في مطلع عام 2021، إلى إقناع عدة شركاء تابعين للقطاعين العام والخاص بالالتزام بتخصيص 14 مليار و300 مليون يورو لتمويل مشاريع إنمائية مرتبطة بتعزيز الجدار الأخضر العظيم خلال الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2025.
والحقيقة أن ما يدعو للتفاؤل اليوم بشأن إمكانية تعزيز الحزام الأخضر الإفريقي الكبير هو الشراكة التي تقرر إرساؤها بين عدد من المؤسسات التي تُعنى بالتنمية المستدامة لاسيما في الأوساط الريفية كالصندوق الدولي للتنمية الزراعية والصندوق الأخضر للمناخ.
ستسمح الشراكة الجديدة التي أطلقت بين الصندوقين وشركاء آخرين بحشد ما يصل مجموعه إلى 1 مليار دولار أمريكي من الموارد المالية لصالح مبادرة الجدار الأخضر الكبير خلال عامي 2021 و2022. والتي تهدف إلى تنفيذ مشاريع ترمي إلى استعادة النظم الإيكولوجية في الأماكن التي يمر منها الجدار الأخضر الإفريقي والتصدي للقضايا المترابطة والمتمثلة في تغيّر المناخ، وتهيئة فرص العمل، والتخفيف من وطأة الفقر، وتعزيز الأمن الغذائي وإحلال السلام.
كذلك، في قمة كوكب واحد للتنوع البيولوجي، تم الإعلان عن برنامج «Great Green Wall Accelerator» الذي يهدف لتسريع عملية تنفيذ الجدار من خلال تغطية حوالي 30% من مبلغ 33 مليار دولار الذي يحتاجه «GGW» لتحقيق أهدافه لعام 2030.
كما سبق وأن تلقى المشروع دفعة ثقافية، في عام 2020، عندما قام المخرج المرشح لجائزة الأوسكار «Fernando Meirelles» بعمل فيلم وثائقي عن طموح المشروع.
رغم هذا، ينمو الجدار الأخضر بشكل أبطأ مما كان متوقعاً، حيث عانى المشروع لعدة سنوات من الفساد وسوء الإدارة وسوء التخطيط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مكافحة تغير المناخ لا تترأس قائمة أولويات الأفراد القاطنين في البلدان الفقيرة والتي تمزقها الحروب والاضطرابات لكن هذا لم يمنع وجود قصص نجاح في دول عملت على تحقيق هذه المبادرة.
قصص النجاح
لم تقتصر قصص نجاح الجدار الأخضر على الخيال أو الأحلام ولكن يوجد بالفعل قصص نجاح واقعية في مختلف الدول المعنية، في النيجر، على سبيل المثال، وجد المزارعون طريقة غير مكلفة وفعالة لتخضير المنطقة: فهم لا يزرعون أشجارًا جديدة، بل يقومون ببساطة بحماية الشتلات التي تنبت من شبكات الجذر الموجودة.
في إثيوبيا، يتم استخدام الماء بشكل أكثر فاعلية، وبالتالي إيقاف تآكل التربة. نتيجة لذلك، ارتفع منسوب المياه الجوفية في الوادي، مما جعل الري ممكناً حتى خلال موسم الجفاف.
في بوركينا فاسو تم تطوير طريقة الزراعة التقليدية «Zai»، وهي شبكة من حفر الزراعة العميقة عبر قطع الأرض ذات الصخور الصلبة والتي عززت تسرب المياه والاحتفاظ بها خلال فترات الجفاف. قام السكان ببناء حواجز حجرية حول الحقول لاحتواء الجريان السطحي وزيادة تسلل المطر.
تم إصدار تقرير عن “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر” يحتوي على معلومات أساسية عن التقدّم المحرز في كل بلد، مثل عدد النباتات والشتلات المنتجة، ومساحة الأرض المُعاد تشجيرها، وعدد الأشخاص الذين تلقوا تدريبا، وعدد فرص العمل التي وفّرها المشروع. وقد قُدِّم معظم هذه البيانات من كلّ دولة من الدول المشاركة.
النتائج الرئيسية (بيانات 2020)
تم تسجيل العديد من الإنجازات في معظم الدول الأعضاء في «GGW»، حيث حققت بعض البلدان نجاحاً أكثر من غيرها. في حين أن البعض بدأ في تنفيذ أنشطة «GGW» في وقت مبكر من عام 2008، انضمت دول أخرى في أواخر عام 2014.
تم إحراز تقدم في العقد الثاني من المبادرة، حيث تمت استعادة ما يقرب من 18 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وخلق 350,000 فرصة عمل في جميع أنحاء دول الساحل والجدار الأخضر العظيم.
تشمل الأمثلة الرئيسية للبلدان التي نفذت فيها GGW أنشطة الاستعادة ما يلي:
- إثيوبيا: 5.5 مليار نبتة وبذور منتجة للمجتمعات.
- السنغال: أكثر من 18 مليون شجرة مزروعة و800000 هكتار من الأراضي المتدهورة تم ترميمها للمجتمعات.
- نيجيريا: إنتاج 8 ملايين شجرة ومزروعة و1396 وظيفة.
- السودان: تمت استعادة 2000 هكتار من الأراضي.
- بوركينا فاسو: إنتاج 16 مليون شجرة وزراعتها وتحسين 50 ألف أسرة.
- مالي: 135 ألف نبتة منتجة ومزروعة.
- إريتريا: 129 مليون شجرة منتجة ومزروعة.
- النيجر: 146 مليون شجرة منتجة ومزروعة.
أراء المسؤولين حول مبادرة السور الأخضر العظيم
إن هذه المبادرة وحدها لن تغير ثروات الساحل بين ليلة وضحاها، لكنها تتحول بسرعة إلى ممر نمو أخضر يجلب الاستثمار ويعزز الأمن الغذائي ويخلق فرص العمل ويبذر بذور السلام
سوزان جاردنر، مديرة قسم النظم البيئية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة
إن تعبئة هذا التمويل الإضافي ستساهم في تحقيق أهداف السور الأخضر العظيم.
محمد الشيخ الغزواني، رئيس موريتانيا ورئيس مؤتمر رؤساء دول وحكومات الوكالة الإفريقية الكبرى الخضراء
إن التعافي من الوباء هو فرصتنا لتغيير المسار، من خلال السياسات الذكية والاستثمارات الصحيحة، يمكننا رسم مسار ينعش الاقتصادات ويبني المرونة.
الابتكارات في مجال الطاقة والنقل يمكن أن توجه الانتعاش المستدام بالإضافة للحلول القائمة على الطبيعة - مثل سور أفريقيا الأخضر العظيم – التي تبدو واعدة بشكل خاص.أنطونيو غوتيريش ، الأمين العام للأمم المتحدة
إن "الصندوق الأخضر للمناخ" ملتزم بتوسيع نطاق جهود بلدان منطقة الساحل الرامية إلى بناء الجدار الأخضر العظيم وتطويره، ومكافحة آثار الجفاف وقطع الغابات وتغيّر المناخ. وسيدفع هذا البرنامج الابتكاري، مع تركيزه الموسع على تعزيز سلاسل القيمة الزراعية المستدامة في جميع أنحاء المنطقة وزيادة استثمار القطاع الخاص في أشكال الطاقة المتجددة اللامركزية، عجلة التكيف مع تغيّر المناخ وقدرة ملايين الأشخاص على الصمود، فضلا عن دعمه للنظم الإيكولوجية المحلية والتنوع البيولوجي.
السيد يانيك غليماريك المدير التنفيذي للصندوق الأخضر للمناخ، في إطار فعاليات الدورة الرابعة من دورات قمة "كوكب واحد"
تسع سنوات تفصلنا عن الموعد النهائي
يعتبر التقدم بطيئاً حتى الآن، في الواقع، قبل تسع سنوات من الموعد النهائي المحدد لإكمال الجدار الأخضر، لا تزال التحديات قائمة. فالمبادرة لم تغطي 18% من المنطقة المستهدفة. لكنها افادت بالفعل ما يقرب من 500,000 شخص، من خلال التدريب وخلق فرص العمل. وبالنظر إلى المستقبل، إن مبادرة «GGW» لديها القدرة على تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من خلال امتدادها لعموم إفريقيا والالتزامات المالية الكبيرة من الحكومات في إفريقيا ومن شركاء التنمية الدوليين.
الآن، وقد بات الموعد النهائي على بُعْد تسع سنوات منا، يحتاج مشروع الجدار الأخضر إلى مستوى أفضل من التعاون بين الوكالات الدولية، ويحتاج إلى مساعدة الباحثين، لدعم الابتكار. على سبيل المثال، يحتاج المشروع إلى تشجيع الناس على استخدام الطاقة المتجددة، واستبدال طاقة الكتلة الحيوية التقليدية من الفحم والخشب ببدائل ميسورة التكلفة مثل الطاقة الشمسية والحرارية وطاقة الرياح والمياه. إن نمو هذه المعجزة الطبيعية العجيبة سيكون مفتاح تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!
المصدر: greatgreenwall , unccd