في شهر آذار من كل عام، نحتفي بالمرأة ودورها المحوري في بناء المستقبل. وفي قطاع الطاقة النظيفة، يزداد تأثير النساء عاماً بعد عام، حيث يُساهمن في دفع عجلة التطور والابتكار.
هذا العام، نُسلّط الضوء على قصص ملهمة من فريقنا، حيث تشاركنا أميرة، مرح، ميغنا، وريما، آفاق وبسمة رحلتهن في هذا المجال، والتحديات التي واجهتها، وكيف يواصلن ترك بصمة قوية في صناعة الطاقة المتجددة والنظيفة.
أميرة : كسر الحواجز وبناء الجسور
في شهر آذار من كل عام، لا أكتفي بالتأمل فيما حققتُه كامرأة عاملة في قطاع الطاقة المتجددة، بل أرى بعين الفخر الإمكانات الهائلة التي يمكنني، ومعي نساء أخريات، تحقيقها. رحلتي في هذا القطاع لم تكن مجرد تسلّقٍ لسُلّمٍ وظيفيّ، بل كانت رحلة لتفكيك الأسقف الزجاجية، وتحدّياً للقيود التي فرضها المجتمع وأحياناً تلك التي نضعُها نحن أنفسنا دون وعي، لتحجب عنا رؤية إمكانياتنا.
مرّت خمس سنوات منذ انضمامي إلى سولارابيك، حيث كانت النساء يشكلن 80% من الفريق. واليوم، وأنا أقود فريق الأبحاث، أدرك أن القضية لم تعد محصورةً بعدد النساء في هذا المجال، بل في عمق الأثر الذي يتركنه.
لكن، ولكي أكون صادقة، رحلتي لم تكن سهلةً تماماً. لطالما حاربتُ ذلك الصوت المشكّك داخلي: هل أنا جيدة بما فيه الكفاية؟ هل أمتلك فعلًا تفكيراً استراتيجاً؟ كما وكنت أرى في محيطي نساءً يمتلكن مهارات استثنائية، لكنهن يتراجعن عند أول فرصة للترقية، بينما يندفع زملاؤهن الأقل كفاءة بثقة. عندها أدركت أن أكبر العوائق ليست “أسقفًا زجاجية”، بل تلك المرايا التي تنظر فيها المرأة كل صباح متسائلةً: هل أستطيع؟
في سولارابيك، لم أكتفِ بقيادة فريق الأبحاث، بل أسّستُ فريقاً معظمه من النساء، في خطوة لم تكن مجرد تحدٍّ للنمط السائد، بل تأكيداً على أن التنوع في وجهات النظر لا يثري الحلول فحسب، بل يفتح آفاقاً جديدة لأسئلة قد لا يطرحها الآخرون.
في قطاعٍ مثل الطاقة النظيفة، حيث التغيير هو الثابت الوحيد، نحن النساء لا نكتفي بالابتكار والتنفيذ، بل نعيد تعريف القيادة. نحقق التوازن بين العقلانية والتعاطف، بين السرعة والتعاون. رأيتُ نساءً يفاوضن العملاء في الصباح، ويدعمن زميلاتهن في المساء. يقُدن عمليات الفحص الميداني، ويدافعن عن سياسات رعاية الأطفال. وأحياناً، يتعثّرن، لكنهن ينهضن من جديد برؤيةٍ أوضح وعزيمةٍ أقوى.
هذه هي القصة غير المروية للنساء في الطاقة المتجددة: نحن لا نكسر الحواجز فقط؛ نحن نبني الجسور لتسير عليها الأجيال القادمة من الفتيات.
ميغنا: التغيير الحقيقي يبدأ من التمكين والإرشاد
شغفي بالتنمية المستدامة وتعزيز التنوع في قطاع الطاقة ليس مجرد اهتمام مهنيّ، بل هو جزء من رحلتي نحو إحداث تغيير حقيقي وضمان أن يكون للنساء صوتٌ مسموعٌ في صناعات الطاقة النظيفة. عملي في سولارابيك لم يكن مجرد وظيفة، بل كان بوابة إلى عالم أوسع من الفرص الجديدة التي ساهمت في تشكيل رؤيتي.
كنتُ محظوظة في وقت سابق بالانضمام إلى مبادرات مثل “النساء في الطاقة المتجددة” وبرنامج “الإرشاد للنساء في الطاقة”، حيث لمستُ بشكل مباشر الأثر العميق الذي تتركه برامج التدريب والإرشاد. هذه البرامج لا تقتصر على نقل المعرفة، بل تمنح النساء الأدوات لصقل مهاراتهن التقنية والناعمة، مما يفتح لهن أبواباً كانت تبدو لهنّ بعيدة المنال.
لكن إن كان هناك برنامج تدريبيّ غيّر مساري بالكامل، فهو برنامج التدريب الداخلي في سولارابيك. في النصف الثاني من عام 2024، حصلتُ على المركز الأول في البرنامج، ولم يكن ذلك مجرد إنجاز مهني، بل نقطة تحول أعادت تشكيل مهاراتي. لم يكن التدريب مجرد مرحلة عابرة، بل تجربة مكثفة قدّمت لي الأدوات لفهم الطاقة الشمسية، وأنظمة تخزين الطاقة، وإدارة سلاسل التوريد المستدامة، وحتى التفاوض بكفاءة في بيئات العمل المعقدة. لم أتعلم مفاهيم جديدة فحسب، بل اكتسبتُ مهارات عملية أصبحت جزءًا من مهامي اليومية.
التغيير الحقيقي لا يحدث صدفة، بل يبدأ عندما تتوفر للمرء الفرصة والمساحة للنمو. واليوم، بعدما كنتُ متدرّبة، أصبحتُ جزءًا من فريق يصنع الفرق، وأؤمن بأن كل فرصة تدريبية هي بداية لقصة نجاح جديدة تنتظر أن تُكتب.
مرح: الاستمرارية والمثابرة مفاتيح للنجاح
منذ طفولتي، حلمت بأن أصبح مهندسة. وعندما بدأت الحرب في سوريا، أصبح الحلم مسؤولية — رغبةٌ في إعادة البناء لا مجرد طموح شخصي. في عامي الدراسي الثاني، التحقتُ بتدريبٍ في أحد المصانع الغذائية. كنتُ واحدة من فتاتين فقط بين ثلاثين متدرباً. لم يكن الأمر سهلاً، لكنني كنت مصممةً على إثبات نفسي. لاحقاً، كنت واحدة من قلة ممّن حصلوا على وظيفة هندسية دائمة هناك.
ومن ثمّ انتقلتُ إلى دمشق، حيث وجدت نفسي في بيئة عمل 90% من العاملين فيها رجال. لكنني لم أقبل أن أكون مجرد رقم ضمن النسبة الضئيلة من المهندسات. تعاونتُ مع منظمة تدريبية لإطلاق برنامج خاص لدعم دخول النساء إلى القطاع الصناعي. بحلول عام 2022، كانت مشاريع الطاقة المتجددة تنمو بشكل كبير في سوريا. كنت قد عملت بالفعل في مشاريع شمسية صغيرة، لكنني سرعان ما توليت دور القيادة كرئيسة لقسم الطاقة الشمسية في شركة الاتحاد للكهرباء. كان أحد أكبر إنجازاتي هو تصميم أول محطة طاقة شمسية متصلة بالشبكة باستطاعة 10 ميجاواط في سوريا.
أمّا رحلتي في سولارابيك، فكانت مُثرية جداً حيث وجدت البيئة التي تحتفي بالمهارات قبل الألقاب، وتؤمن أن التنوع هو مصدر قوة. العمل مع فريق عالمي على مشاريع ضخمة جعلني أدرك أن التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتاح لك الفرصة للنمو دون قيود.
رحلتي لم تنتهِ بعد، لكنني اليوم أقف كدليل على أن الهندسة ليست حكراًعلى أحد، وأن النساء قادرات على المشاركة في بناء المستقبل.
ريما: حين يقودُك الطريق إلى شغف جديد
لم أخطط يوماً للعمل في قطاع الطاقة النظيفة، لكن رحلتي قادتني إليه بطريقة غير متوقعة ومذهلة. وُلدتُ وترعرعتُ في أم درمان في السودان، حيث بدأت مسيرتي المهنية في التسويق منذ أن كنت في التاسعة عشرة من عمري. عملت في القطاع الخاص لسنوات، لكن الحرب غيّرت كل خططي. اضطررتُ إلى مغادرة وطني والانتقال إلى مدينة نيروبي، حيث واصلت مسيرتي في التسويق، دون أن أعلم أن أكبر قفزة مهنية لي كانت على وشك الحدوث.
عندما انضممت إلى سولارابيك كمديرة حسابات رئيسية، لم يكن لدي أي خلفية تقنية عن صناعة الطاقة الشمسية. في البداية، كان كل شيء جديداً وغير مألوف، لكن الفضول دفعني للاستكشاف. كلما تعمّقتُ أكثر، زاد شغفي بهذا المجال. رؤية الشركات والمصنعين تتخذ خطوات حقيقية نحو الاستدامة أصبحت مصدر إلهامٍ يوميّ لي، حتى أصبحت أمضي وقتي في قراءة أحدث الاتجاهات والابتكارات، وأتعلم شيئاً جديداً كلّ يوم.
لكن ما جعل هذه الرحلة أكثر يُسراً وتمكيناً هو الدعم الذي وجدته في سولارابيك. هنا، لا تحتاج إلى أن تكون خبيراً منذ اليوم الأول — بل يكفي أن تملك الرغبة في التعلم والنمو. اليوم، أنظر إلى الوراء بفخر لما أنجزته، وأتطلع بشغف لما هو قادم. لأن الفضول والشغف، أحياناً يفتحان لك أبواباً لم تكن لتتخيلها أبداً.
بسمة: شغف وسعي لإعادة الإعمار
لطالما كانت الطاقة المتجددة شغفاً يرافقني، ليس فقط كمجال دراستي في هندسة الطاقة الكهربائية، ولكن كحاجة حقيقية وملحة في بلدي سوريا، التي تعاني من انقطاعات كهربائية طويلة بسبب ظروف الحرب.
لقد أدركت منذ البداية أن الطاقة المتجددة هي الحل الأمثل لضمان استدامة الكهرباء وتحسين جودة الحياة، إلا أن كوني أمًا لطفلة صغيرة، جعل من الصعب عليّ العمل في الميدان على أرض الواقع.
ولكن على الرغم من ذلك، لم أتخلَّ عن شغفي، واخترت طريقًا آخر للمساهمة في هذا المجال من خلال الكتابة والتحرير التقني عن الطاقة المتجددة بهدف نشر الوعي والثقافة حول هذا القطاع الواعد. أطمح إلى أن يكون لي دور فعّال على أرض الواقع، خاصة أن سوريا مقبلة على مرحلة إعادة الإعمار، والتي ستكون فيها الطاقة المتجددة عنصراً أساسياً في بناء مستقبل أكثر استدامة. وأرغب في أن أكون جزءًا من هذا التحول، سواء من خلال التوعية والكتابة أو بالمساهمة في مشاريع عملية تترك أثراً حقيقياً في هذا المجال.
آفاق: الطاقة المتجددة ورسالتي كأمّ
أؤمن دوماً بأنّ الطاقة المتجددة ليست مجرد حلولٍ تقنية، بل هي ثقافةٌ يجب غرسها في الأجيال القادمة، وسأحرص كأمٍّ على نقل هذا الوعي لأبنائي، ليكونوا جزءًا من جيلٍ يحمل على عاتقه مسؤولية حماية الكوكب.
لقد ساهم تعمقي في هذا المجال في توسيع مداركي حول مصادر الطاقة المتنوعة، من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً، وهذا ما زادني يقيناً بقدرتنا على إحداث التغيير الإيجابي. إنّ النساء لطالما لعبن دوراً محورياً في هذا المجال، وأنا كلي فخرٌ بأن أكون جزءًا من هذه المسيرة، مساهمةً في بناء مستقبلٍ أكثر إشراقاً للكوكب وللأجيال القادمة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!