ترافقَ التحوّل العالميّ نحو حلول الطاقة المتجددة والمستدامة مع تزايد الحاجة إلى تقنياتٍ متقدمة لتخزين الطاقة. ومن بين هذه التقنيات، برزت أنظمة تخزين الطاقة الحرارية (TES) كأحد الأنظمة الفعّالة في تعظيم كفاءة وموثوقية مصادر الطاقة المتجددة. إذ تتبع هذه الأنظمة آلياتٍ تسمح بتخزين الطاقة الحرارية، لتكون متاحةً باستمرار عند الطلب وليس فقط عندما يكون مصدر الحرارة نشطاً ومتوافراً.
وتكمن أهمية هذا النوع من أنظمة تخزين الطاقة تحديداً في محطات الطاقة الشمسية المركّزة (CSP) حيث يتم تخزين الطاقة الحرارية المتولدة من الإشعاع الشمسي وتوظيفها لاحقاً لإنتاج الكهرباء، الأمر الذي يُسهم في تمديد ساعات تشغيل هذه المحطات، وتعزيز الاستفادة الشاملة من الطاقة.
يتناول هذا المقال الأنواع الأساسية لأنظمة تخزين الطاقة الحرارية في محطات الطاقة الشمسية المركزّة، وآليات عملها، مع مقارنة شاملة لتلك الأنواع.
لماذا أنظمة التخزين الحرارية؟ (Thermal Energy Storage -TES)
تُعتبر تقنيات تخزين الطاقة الحرارية (TES) ضروريةً للحفاظ على إمداداتٍ مستقرةٍ ومستمرةٍ من الطاقة في التطبيقات التي يتذبذب فيها الطلب على الطاقة الحرارية. في أنظمة الطاقة الحرارية الشمسية المركزة (CSP)، يتحدد توفر الحرارة وفقاً للإشعاع الشمسي، الذي يختلف على مدار اليوم ويغيب تماماً خلال ساعات الليل. وبدون وجود نظام تخزين، ستقتصر الإنتاجية على توافر الحرارة، ما يعني عدم موثوقية في أداء النظام.
أنظمة تخزين الطاقة الحرارية و محطات الطاقة الشمسية المركزة (CSP)
تعمل محطات الطاقة الشمسية المركزة على إنتاج الكهرباء من خلال تركيز أشعة الشمس باستخدام مرايا لتسخين سائل ناقل للحرارة(HTF) ، مثل الملح المصهور، الذي يُستخدم لإنتاج البخار، حيث يسهم الأخير في تشغيل التوربينات(العنفات) المولدة للكهرباء.

يمكن تلخيص أهم مزايا توظيف تقنيات تخزين الطاقة الحرارية (TES)، مع محطات الطاقة الشمسية المركزة (CSP) :
- تخزين الطاقة الحرارية الفائضة خلال ساعات ذروة أشعة الشمس.
- استخدام الحرارة المخزنة عندما تكون مدخلات الحرارة منخفضةً أو غير متاحة.
- تحسين استقرار التشغيل من خلال موازنة العرض والطلب على الحرارة.
- تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الاحتياطية، مما يجعل النظام أكثر استدامة.
ما هي أنواع أنظمة تخزين الطاقة الحرارية(TES) ؟
تُصنّف أنظمة تخزين الطاقة الحرارية (TES) إلى ثلاث أنواع رئيسية وفقاً لمنهجية التخزين:

- النظام القائم على تخزين الحرارة المحسوسة (Sensible Heat Storage) وفي هذا النظام يتم تخزين الحرارة عن طريق رفع درجة حرارة وسط صلب أو سائل. وتعتمد كمية الطاقة المخزنة على السعة الحرارية للمادة والتغير في درجة حرارتها. تشمل الوسائط الشائعة للتخزين: الأملاح المنصهرة (مثل خليط نترات الصوديوم والبوتاسيوم)، والخرسانة عالية الحرارة، والمواد الخزفية. وتتمثل الميزة الأساسية لهذا النظام ببساطته وموثوقيته، إلا أنه يتطلب أحجاماً كبيرة من المواد لتخزين كميات كبيرة من الطاقة.
وتتمثل آلية عمله بدءاً من مرحلة الشحن، حيث يقوم سائل نقل الحرارة (HTF) بنقل الطاقة إلى وسط التخزين، مما يؤدي إلى رفع درجة حرارته. وعلى العكس، خلال مرحلة التفريغ، يتم سحب الحرارة مع انخفاض درجات الحرارة، ليتم توظيف هذه الطاقة في تحريك عنفات(توربينات) توليد الكهرباء.
- النظام القائم على تخزين الحرارة الكامنة (Latent Heat Storage)
يستخدم هذا النظام المواد متغيرة الطور (Phase Change Material PCM) وهي نوع من المواد يُطلِق أو يمتص طاقة حرارية عند تحوله من حالة لحالة أخرى (من الصلب إلى السائل على سبيل المثال) وتعد هذه المواد العنصر الأساسي، في أنظمة تخزين الحرارة الكامنة وتتميز بكثافة تخزين عالية وتعمل عند درجات حرارة شبه ثابتة.
كيف تعمل؟
تعتمد آلية عمل المواد متغيرة الطور(PCM) على امتصاص الطاقة الحرارية وتخزينها عند تحول المادة من الحالة الصلبة إلى السائلة، ثم إطلاق الحرارة عند العودة إلى الحالة الصلبة. يتم ذلك عبر المراحل التالية:
- امتصاص وتخزين الحرارة:
- خلال ساعات النهار، يتم تركيز أشعة الشمس باستخدام المرايا نحو جهاز استقبال مركزي(Central Receiver) يحتوي على المادة متغيرة الطور.
- عندما تصل المادة إلى درجة حرارة التحول الطوري (Melting Point)، تمتص كمية كبيرة من الحرارة وتتحول من صلبة إلى سائلة دون حدوث ارتفاع كبير في درجة الحرارة. وهذه الطاقة الحرارية المخزنة ستُستخدم لاحقاً عند الحاجة.
- تفريغ الحرارة عند الطلب:
- عند انخفاض الإشعاع الشمسي (بعد الغروب أو خلال فترات الغيوم)، تبدأ المادة متغيرة الطور في التصلب، مما يؤدي إلى إطلاق الطاقة الحرارية المخزنة.
- تُستخدم هذه الحرارة في تحويل الماء إلى بخار، والذي بدوره يُشغّل التوربينات (العنفات) لإنتاج الكهرباء، مما يضمن استمرار تشغيل المحطة حتى في غياب الشمس؛ مصدر الحرارة.

المواد متغيرة الطور (PCMs) وتصنيفاتها
يتم تصنيف المواد متغيرة الطور (PCMs) إلى:
- مواد عضوية: مثل شموع البرافين والأحماض الدهنية، وتتميز بالاستقرار الكيميائي العالي وعدم التآكل.
- أملاح غير عضوية: مثل الأملاح المائية والنترات، وتتميز بموصلية حرارية أعلى وكثافة طاقية أكبر.
- المركبات سهلة الانصهار: وهي خليط من مكونات مختلفة تمتزج عند درجة حرارة انصهار موحدة.
- النظام القائم على تخزين الطاقة الحرارية الكيميائية (Thermochemical Energy Storage)
يعتمد هذا النظام على التفاعلات الكيميائية العكسية لتخزين وإطلاق الحرارة. ويتميز بتوفيره سعات تخزين عالية ولكنه يتطلب تحكماً دقيقاً في ظروف التفاعل.
مبدأ تخزين الطاقة الحرارية الكيميائية
يعتمد المبدأ العام لأنظمة التخزين الحرارية الكيميائية (TCES) على التفاعل التالي (انظر الشكل التالي):

أثناء عملية الشحن، تتم إضافة الحرارة إلى تفاعل ماص للحرارة، مما يؤدي إلى تكوين نواتج يتم تخزينها بشكل منفصل. وعند الحاجة إلى الطاقة، يمكن إعادة دمج هذه النواتج لإطلاق حرارة التفاعل.
يمكن تشغيل هذه العملية بشكل مستمر و يمكن تطبيق دورات الشحن والتفريغ في مفاعلين منفصلين مع وجود خزانات تخزين بينهما. في المفاعل الأول، وهو مفاعل الشحن، تتم إضافة الحرارة، مما يؤدي إلى تفاعل المكون الصلب (أ) ليصبح المكون الصلب (ب)، مع إطلاق المكون الغازي، وهو بخار الماء في هذه الحالة. بعد فترة التخزين، يدخل المكون (ب) إلى المفاعل الثاني، حيث يتم إضافة الماء إليه، مما يسمح بإطلاق الطاقة المخزنة. تكتمل بذلك الدورة الحرارية الكيميائية، ويمكن بدء العملية من جديد عن طريق إعادة تحويل المكون (أ) إلى المفاعل الأول.
من بين هذه الأنواع، حظي نظام تخزين الحرارة الكامنة (LHS) باهتمام كبيرٍ مؤخراً نظراً لقدرته على تخزين كميات كبيرة من الحرارة في مساحات صغيرة، مما يجعله حلاً فعالاً يمكن اللجوء إليه في أنظمة الطاقة الشمسية المركزة(CSP).
مقارنة بين أنظمة تخزين الطاقة الحرارية
تتباين أنظمة تخزين الطاقة الحرارية في خصائصها وميزاتها، مما يجعل لكل منها مجالاً تطبيقياً فريداً. فنظام تخزين الحرارة المحسوسة (SHS) الذي يعتمد على الماء أو الملح المنصهر يتميز ببساطته وجدواه الاقتصادية، إلا أنه يستلزم حجماً كبيراً من الوسائط التخزينية ويخضع لتغيرات حرارية متدرجة أثناء عمليتي الشحن والتفريغ.
في المقابل، تُقدِّم المواد متغيرة الطور (PCMs) حلاً أكثر كفاءة من حيث الحجم، حيث توفر كثافة تخزينية عالية مع الحفاظ على استقرار درجة الحرارة خلال تحولاتها الطورية، مما يجعلها خياراً مثالياً للتطبيقات محدودة المساحة. إلّا أنها أيضاً تتسم بانخفاض موصليتها الحرارية وارتفاع تكاليفها الأولية.
أما نظام تخزين الطاقة الحرارية الكيميائية (TCES)، الذي يُعد أكثر الأنظمة تطوراً، فيتفوق على نظيريه بقدرته التخزينية العالية وإمكانية الاحتفاظ بالطاقة لفترات طويلة دون فقدان ملحوظ. غير أن تعقيد تقنياته وارتفاع تكاليفه التشغيلية يحدّان من انتشاره في التطبيقات الصناعية والتجارية الكبرى.
وعليه، فإن تقنية تخزين الحرارة المحسوسة لا تزال الأكثر شيوعاً نظراً لتكلفتها المعقولة، بينما تبرز المواد متغيرة الطور كحل أمثل للبيئات ذات القيود المكانية، في حين يبقى نظام تخزين الطاقة الحرارية الكيميائية خياراً واعداً في المستقبل.

التكامل بين محطات الطاقة الشمسية المركزة والتخزين الحراري
يُسهم توظيف أنظمة تخزين الطاقة الحرارية بمختلف أنواعها في تحسين موثوقية أنظمة الطاقة، حيث تبرز المواد متغيرة الطور (PCMs) متعددة المراحل كتقنية متقدمة ترفع من كفاءة تخزين الطاقة الحرارية عبر توظيف مواد ذات نقاط ذوبان متباينة. وتتيح هذه المنهجية المبتكرة لمحطات الطاقة الشمسية المركزة (CSP) تحقيق فوائد متعددة، أهمها:
- استثمار الطاقة الحرارية على مستويات متعددة، مما يُعظّم من كفاءة استغلال المصدر الشمسي.
- الارتقاء بمعدلات نقل الحرارة، وبالتالي تقليص الفاقد الحراري إلى أدنى مستوياته.
- رفع كفاءة النظام من خلال الاستخدام الأمثل للطاقة المخزّنة عبر مراحل التشغيل المختلفة.
ولتوضيح الفكرة، يمكننا الإشارة إلى نظام ثلاثي المراحل يعتمد على حمض الستيريك (PCM1) وRT58 (PCM2) وحمض اللوريك (PCM3)، والذي يُتيح تحولاً طورياً تدريجياً يسمح بامتصاص الطاقة الحرارية وإطلاقها بكفاءة عالية ضمن نطاق حراري واسع.

يحقق دمج تقنيات تخزين الطاقة الحرارية (TES) في أنظمة الطاقة الشمسية المركزة منافع استراتيجية اقتصادية وبيئية متعددة:
- إطالة فترات التشغيل حيث تمكّن أنظمة التخزين هذه المحطات الشمسية المركزة من مواصلة عملها بعد غروب الشمس، مما يُعزز معدلات إنتاج الطاقة ويرفع من القيمة الاقتصادية للمحطة.
- تعزيز استقرار شبكة الكهرباء، إذ توفر الطاقة الحرارية المخزّنة إمداداً مستمراً وموثوقاً من الطاقة، مما يُقلل من تذبذبات التوليد ويُحسّن أمان الشبكة.
- تحسين الكفاءة الإجمالية للمنظومة – تُسهم المواد متغيرة الطور متعددة المراحل في تحسين عمليات امتصاص وإطلاق الحرارة، مما ينعكس إيجاباً على أداء المحطات.
حول الخبير
أحمد العمري باحث ومعلم متفانٍ متخصص في تخزين الطاقة الحرارية والهندسة الميكانيكية. حاصل على ماجستير العلوم في الهندسة الميكانيكية، وله إسهامات قيّمة في هذا المجال من خلال أبحاثه المتقدمة في مجال تخزين الطاقة الحرارية الكامنة بدمجها مع أنظمة الطاقة الشمسية. بخبرة تزيد عن خمس سنوات في تدريس التصميم والابتكار، يتميز أحمد بدمج مبادئ الهندسة مع تقنيات حل المشكلات المبتكرة. تشمل خبرته أيضاً محاكاة ديناميكا الموائع الحسابية (CFD)، وتحليل انتقال الحرارة، وتحسين أنظمة تخزين الطاقة. ومع شغفه بحلول الطاقة المستدامة، يهدف أحمد إلى تعزيز كفاءة الطاقة من خلال استراتيجيات مبتكرة لإدارة الحرارة وأبحاث هندسية متطورة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!