تطورت أنظمة التدفئة والتكييف والتبريد والتهوية (HVAC Systems) على مدار العقود الماضية، وتطورت معها اللوائح الدولية المنظمة لاستخدام سوائل التبريد وغيرها من المواد الكيميائية المستخدمة فيها، ولفهم كيفية تطور هذه الأنظمة وكيف تؤثر اللوائح الدولية مثل تعديل كيغالي على قطاع كفاءة الطاقة و التكييف والتهوية ، التقينا بالمهندسة ريمي موسى. ريمي مهندسة تركز على الاستدامة وتتمتع بخبرة واسعة في دعم الاستشاريين ومصممي المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في هذه المقابلة، تشاركنا ريمي خبرتها وتشارك تاريخ المُبردات المستخدة في أنظمة التكييف والتبريد وتأثير السياسات الدولية مثل تعديل كيغالي، مع التطرق لعدد من الاستراتيجيات التي تجعل أنظمة HVAC أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
ملاحظة المحرر:
الاختصارات التالية ستتكرر في النص،كما يلي:
- HVAC: أنظمة التبريد والتدفئة والتهوية (Heating, Ventilating, and Air Conditioning)
- CFC: مركبات الكلوروفلوروكربون، مُبردات قديمة تم التخلص منها تدريجياً بسبب تأثيرها الضار على طبقة الأوزون.
- HFO: الهيدروفلورو أوليفينات، الجيل الجديد والأحدث من المبردات الصديقة للبيئة.
- GWP: إمكانية الاحتباس الحراري العالمي (Global Warming Potential)، مقياس يُستخدم لتحديد مدى تأثير مادة معينة على تغير المناخ مقارنة بثاني أكسيد الكربون.
لقد قطعت المُبردات خلال العقود الماضية شوطاً طويلاً . كيف تطورت هذه المواد من الجيل الأول حتى مركبات الجيل الجديد الـ HFO اليوم، وما الذي حفّز هذه التغييرات؟
حسناً، قصة المُبردات تمتد عبر أجيال متعددة، تشكّل كلّ منها بأولويات ومتطلبات مختلفة. ففي الجيل الأول (أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين)، استخدم الناس مبردات طبيعية مثل الأمونيا وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، وحتى البروبان.
أما الجيل الثاني من المُبردات (تقريباً من الثلاثينيات إلى الثمانينات)، فقد ركّز على معايير عدة شملت السلامة والاستقرار. وقد جلبت هذه الحقبة مواد كيميائية صناعية غير سامة وغير قابلة للاشتعال مثل R-12 ، حلّت مشاكل السلامة التي رافقت سوائل التبريد السابقة. لكننا اكتشفنا لاحقاً عيباً كبيراً، ألا وهو الكلور في هذه المبردات من نوع CFC و HCFC وما يجلبه من ضرر بطبقة الأوزون في طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي.
وبعد ذلك واستجابةً لأزمة الأوزون، ظهر الجيل الثالث (التسعينيات-وحتى عام 2010)، حيث حظر بروتوكول مونتريال عام 1987 المواد المستنزفة للأوزون تدريجياً، لذا تحولت الصناعة إلى مبردات HFC مثل R-134a و R-410A، والتي تتمتع بصفر “قابلية استنزاف أوزون” (لأنها لا تحتوي على كلور). وعلى الرغم من أن هذه المركبات حلت مشكلة طبقة الأوزون؛ – في الواقع، ثقب الأوزون يلتئم ببطء في الوقت الحالي- إلا أنها أظهرت لنا مشكلة أخرى، حيث اتضح أن مركبات HFC غازات دفيئة قوية جداً ولديها إمكانية احترار عالمي مرتفعة GWP. وهذا الإدراك مهد الطريق للتغيير التالي.
نحن الآن في عصر الجيل الرابع (من 2010 و حتى اليوم)، حيث التركيز على سوائل التبريد ذات التأثير المناخي الأقل. العامل الذي أدى إلى تطوير سوائل التبريد الخضراء HFO (هيدروفلوروأوليفين) والمبردات الأخرى فائقة الانخفاض في إمكانية الاحترار العالمي، بالإضافة إلى اهتمام متجدد بخيارات المبردات “الطبيعية”. مبردات HFO مثل R-1234yf و R-1234ze مصممة لتتحلل بسرعة كبيرة في الغلاف الجوي، لذا إمكانية تأثيرها في الاحترار العالمي تقارب الصفر. أما التحدي في هذا الجيل الجديد فيكمن في الموازنة بين جميع المتطلبات معاً: السلامة والاستقرار والكفاءة وعدم إضرار الأوزون والتأثير المناخي المنخفض. ولذا فإن المشهد اليوم يتعلق بإيجاد تلك النقطة المثلى، السوائل التي تبرد بفعالية ولا تضر بالأوزون ولا ترفع من درجة حرارة الكوكب. مركبات HFO والخلائط المتقدمة هي أفضل فرصة لدينا لتحقيق ذلك، وهي تُعتمد بسرعة حول العالم.

ذكرتِ في إجابتك مصطلحات مثل “إمكانية الاحتباس الحراري العالمي” GWP و”إمكانية استنفاد الكربون” ODP كمقاييس بيئية رئيسية. بالنسبة لغير المطلعين، ماذا تعني هذه المصطلحات، وكيف تؤثر المبردات فعلياً على البيئة؟
من خبرتي، فهم هذه الأساسيات جوهري لأي شخص في مجال التكييف اليوم. إمكانية استنزاف الأوزون (ODP) تقيس مدى تدمير مادة ما لطبقة الأوزون، نسبة إلى مادة كيميائية مرجعية. على سبيل المثال المبرد القديم CFC-11، لديه ODP قيمته 1.0. أما اليوم جميع المبردات المستخدمة الآن لها ODP صفر. وهذا أساساً متطلب غير قابل للتفاوض بعد نجاح بروتوكول مونتريال في إلغاء المبردات المستنزفة للأوزون.
أما إمكانية الاحترار العالمي (Global Warming Potential) GWP هي مقياس يتعلق بالتغير المناخي، يشير إلى كمية الحرارة التي سيحبسها غاز في الغلاف الجوي خلال فترة معينة (عادة 100 سنة) مقارنة بثاني أكسيد الكربون. بالتعريف، CO₂ له GWP قيمته 1. لذا إذا كان لسائل تبريد GWP قيمته 1، فكل كيلوغرام منه يسخن الكوكب بقدر كيلوغرام واحد من CO₂ لكن إذا كانت قيمة GWP لسائل تبريد 1,300 مثل R134A، فإن إطلاق 1 كغ من ذلك المبرد له تأثير احترار يعادل 1,300 كغ من غاز ثاني أكسيد الكربون. يمكنك تخيل مدى أهمية ذلك إذا تسرب مثل هذا الغاز من معدات التكييف. أما الخبر السار حول مركبات HFO الجديدة هو طبيعتها الكيميائية، كما ذكرتُ، لها أعمار قصيرة جداً في الغلاف الجوي. تتفكك في غضون أيام إلى أسابيع بمجرد إطلاقها، لذا لن تبقى معلقة في الغلاف الجوي مؤديةً إلى تسخين الكوكب لعقود.
تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال محرك سياسي رئيسي لتغيير سوائل التبريد. ما هو كيغالي، وماذا يعني لمستقبل التكييف و خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط؟
من وجهة نظري، تعديل كيغالي جاء و قلب الموازين في صناعة التكييف والتبريد، حيث وبموجب كيغالي 2016، التزمت البلدان بخفض استهلاك مبردات HFCبحوالي 80-85% خلال العقود القليلة القادمة وبجداول زمنية ملزمة قانونياً لمجموعات بلدان مختلفة. على سبيل المثال، البلدان المتقدمة (مثل أوروبا والولايات المتحدة واليابان وغيرها) متقدمة بالفعل في جهود خفضها لـ HFC، إذ وافقت على خفض الاستخدام بنسبة 85% بحلول منتصف الثلاثينيات، والعديد منها بدأ بقوة في إلغاء المبردات عالية GWP تدريجياً. أما البلدان النامية، بما في ذلك معظم بلدان الشرق الأوسط، تبدو متأخرة عن الركب قليلاً حيث يستوجب عليها أن تقلل استخدام HFC في السنوات القادمة. الخلاصة أن الجميع يتشارك الرؤية ذاتها.. المبردات عالية GWP مثل R-134a و R-404A و R-410A في طريقها للخروج عن الخدمة عالمياً.
و تأثير كيغالي كبير وملموس بشكل واضح، حيث ومن المتوقع -إذا نُفذ بالكامل- أن يتجنب حتى 0.5° من الاحترار العالمي بحلول 2100. لنفكر في ذلك، نصف درجة مئوية أقل احتراراً فقط بتغيير المبردات. يترجم ذلك أيضاً إلى عشرات المليارات من الأطنان المكافئة لغاز ثاني أكسيد الكربون.
وعلى الرغم من أن بلدان في منطقتنا مثل بلدان مجلس التعاون الخليجي كانت أبطأ قليلاً في التصديق على كيغالي في البداية، لكن المشهد تغير كلياً خلال السنوات الأخيرة الماضية. وأنا وخلال عملي هنا، شهدتُ في الإمارات خلال الخمس السنوات الأخيرة كيف تم تنفيذ عدد ضخم من المشاريع الكبيرة الجديدة شملت محطات التبريد المركزي، المطارات، مراكز التسوق، وكيف تحولت طوعياً إلى مبردات قائمة على HFO أو مبردات أخرى منخفضة GWP ، حتى و قبل أن تفرضها اللوائح المحلية. طبعاً هذا مدفوع جزئياً بسلسلة التوريد العالمية واتجاهات التكنولوجيا. ولا ننسى أيضاً الوعي الكبير حول الاستدامة في الإمارات، البلاد التي أعلنت هدف صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، تعي تماماً أن التبريد جزء ضخم من بصمتها الكربونية، لذا كان لزاماً الانتقال نحو حلول أكثر استدامة في مجالات التبريد والتكييف.
ونحن لدينا تجربة ناجحة مع التخلص التدريجي من مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، حيث حُددت مهلة للبلدان المتقدمة حتى عام 1996، بينما مُنحت الدول النامية وقتاًأطول حتى عام 2010. لكن في الواقع، لم تكن دول مجلس التعاون الخليجي تستخدم مبردات CFC بحلول الألفينات، فقد انتقلنا إلى الأنظمة الأحدث قبل وقت طويل من المهلة الرسمية، ببساطة لأن المعدات المستوردة أصبحت تعتمد على المبردات الجديدة. وأتوقع أن نشهد سيناريو مشابهاً مع مركبات HFC في ظل تعديل كيغالي. فحتى لو منحت بعض دول الشرق الأوسط مهلة حتى أربعينيات هذا القرن للتخلص الكامل منها، أشك أننا سنستمر باستخدام هذه التقنيات القديمة لفترة طويلة. فمستقبل أنظمة التبريد في منطقتنا سيتماشى مع الاتجاهات العالمية، وربما بوتيرة أسرع من الجدول الزمني المقرر، لأن لا أحد سيرغب في الاستثمار في تكنولوجيا عفا عليها الزمن.
مع الأخذ في الاعتبار المناخ الجاف والحار في الشرق الأوسط واحتياجات التبريد الهائلة، هل تتمتع المبردات الجديدة منخفضة GWP بأداء جيد مع دعمها لأهداف صافي الانبعاثات الصفرية في دول مجلس التعاون الخليجي؟
سؤال في محله، فظروف منطقتنا تُعد من الأصعب عالمياً عندما يتعلق الأمر بالتكييف. لكن الخبر السارّ هو أن الأداء الفعّال للمبردات منخفضة الـ GWP في مثل هذه البيئات لم يعد مجرد نظرية، بل واقع. بل على العكس تماماً، فإن مناخ الخليج الحار يجعل التحول إلى هذه البدائل ضرورة ملحّة، لأن أي تحسّن في الكفاءة أو انخفاض في الـ GWP سيكون له تأثير كبير نظراً لحجم استهلاكات أنظمة التبريد والتكييف هنا.
نحن نشهد بالفعل أداءً ممتازًا لمبردات مثل R-514A وR-1233zd E في ظروف الحرارة العالية، وتم استخدامها بنجاح في محطات التبريد الكبرى في الإمارات، مما يثبت قدرتها على توفير التبريد بكفاءة حتى عند درجات حرارة تتجاوز 45–50 درجة مئوية. التكنولوجيا موجودة وجاهزة، وتحقيق أهداف الحياد الكربوني في منطقتنا يتطلب الاعتماد على مبردات أنظف وتصميم أنظمة HVAC عالية الكفاءة وهو أمر ممكن تماماً. كل خطوة نُحرزها، سواء بخفض GWP أو رفع كفاءة الأنظمة، لها أثر مضاعف في منطقتنا.
باختصار، مع اختيار المبردات المناسبة وتصميم الأنظمة بشكل ذكي، يمكن تحقيق تبريد مستدام في بيئة الشرق الأوسط، وهو ما بدأنا نراه بالفعل على أرض الواقع.
بحكم خبرتك في قطاع الاستشارات في صناعة التكييف والتهوية والتبريدHVAC، ما نصيحتك للمهندسين الذين يرغبون في مواكبة التحول إلى المبردات الجديدة وتصميم أنظمة مستدامة للمستقبل؟
في الواقع يلعب المستشارون والمصممون دوراً محورياً في دفع عجلة التغيير من البداية. ونصيحتي للمهنيين في هذا المجال تتلخص في التالي:
- ابقَ على اطلاع دائم: قطاع المبردات يتطور بسرعة. قبل خمس سنوات فقط، لم يكن الكثير يعرف عن R-514A أو R-1233zd E، واليوم أصبحت جزءًا من مواصفات أنظمة التبريد الحديثة. احرص على حضور الندوات، تدريبات المصنعين، وورش العمل التابعة لـ ASHRAE وغيرها. بذلك، ستكون مرجعاً موثوقاً لعملائك بدلاً من أن تتفاجأ بالتشريعات لاحقاً.
- ادمج الأهداف المناخية في التصميم منذ الآن: لا تنتظر أن تُجبرك القوانين المحلية على التغيير. ابدأ من نفسك باعتماد سياسة داخلية تفضل المبردات منخفضة الـGWP، وكن مستعدًا للتغيرات المقبلة. هذا النهج يضمن أن تصاميمك ستكون مواكبة للمستقبل حتى قبل دخول القوانين حيّز التنفيذ.
- حدّث عملاءك عن القيمة طويلة المدى: أحياناً، يتطلب الأمر توعية العميل بأهمية الاستثمار الآن لتجنب تكاليف أعلى لاحقاً. تحليل تكلفة دورة الحياة يُظهر بوضوح أن نظاماً يستخدم سائل تبريد حديث قد يكون أغلى قليلًا في البداية، لكنه سيوفر فواتير طاقة أقل، ويقلل من الحاجة إلى تحديثات أو مشاكل أخرى لاحقاً.
- كن مستعدًا للتعامل مع التقنيات والمعايير الجديدة: بعض المبردات منخفضة الـ GWP تتطلب معايير خاصة نظراً لخصائص مثل القابلية الخفيفة للاشتعال. من المهم معرفة المعايير الحديثة مثل ASHRAE 15 وEN 378، واكتساب المهارات اللازمة لتصميم أنظمة آمنة وفعّالة باستخدام مبردات A2L أو حتى الطبيعية مثل الأمونيا أو ثاني أكسيد الكربون. من يفهم هذه التقنيات ويُدير المخاطر جيدًا، يكون أكثر ثقة في تقديم حلول متقدمة لعملائه.
خلاصة القول: إذا كنا سبّاقين، ، ونتعامل بشفافية مع العملاء، يمكننا قيادة هذا التحول بسلاسة. لا تتجنب الحديث عن المبردات، من تجربتي، العميل يُقدّر من يفكر في مصلحته على المدى البعيد. وإذا قمنا بهذا التحول بالطريقة الصحيحة، سنُحقق بيئات مريحة للناس، ومستقبلًا أكثر استدامة، خصوصاً في منطقتنا.
حول الخبير
ريمي موسى، حاصلة على شهادة CEM® مدير طاقة معتمد وماجستير في الطاقة المتجددة، وهي خبيرة متمرسة في كفاءة الطاقة وحلول التبريد المستدام. تعمل حالياً لدى شركة Trane Technologies، وتدعم الاستشاريين ومشاريع HVAC المبتكرة في الشرق الأوسط. تشغل أيضًا منصب رئيسة لجنة النساء في ASHRAE فرع فالكون في الإمارات، وتسهم في تعزيز التوعية والتدريب حول إزالة وخفض الكربون في القطاع. ريمي ناشطة في الترويج لامتثال كيغالي وتصميم الأنظمة المستقبلية، وتشارك خبرتها عبر ورش العمل والفعاليات المتخصصة لدعم الانتقال إلى المبردات الحديثة والأنظمة عالية الكفاءة في المنطقة.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!