دبي، الإمارات العربية المتحدة، 9 سبتمبر 2025: تواصل القمة العالمية للاقتصاد الأخضر ترسيخ مكانتها كمنصة دولية رائدة لدفع التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتعزيز العمل المناخي الطموح بما يواكب أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. ومن أهم العوامل التي تساعد على تحقيق هذا التحول وجود سياسات مناخية تسهم في تحفيز التنمية المستدامة، وتوجيه الاستثمارات، وضمان المساءلة. وتكتسب الدورة الحادية عشرة من القمة أهمية استثنائية في ظل التغيرات المتسارعة في مشهد الطاقة العالمي، والتنامي المتزايد في الطلب من قبل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب احتدام السباق العالمي للوصول إلى الحياد المناخي.
تُعقد القمة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وينظمها كل من المجلس الأعلى للطاقة في دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، والمنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر. وتشهد القمة سنوياً نقاشات استراتيجية تجمع قادة الفكر وصنّاع القرار وممثلي القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات الدولية، بهدف تسريع التحول نحو نموذج اقتصادي أكثر استدامة وشمولاً. وتُعقد دورة هذا العام من القمة تحت شعار “الابتكار المؤثر: تسريع مستقبل الاقتصاد الأخضر” يومي 1 و2 أكتوبر 2025 في مركز دبي التجاري العالمي.
وقال معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي: “بفضل رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة، تواصل القمة العالمية للاقتصاد الأخضر تعزيز دور دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج عالمي في قيادة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، قائم على الابتكار والشراكات الدولية الفاعلة. وتمثل السياسات والتشريعات المناخية ركيزة أساسية لضمان استدامة هذا التحول وتسريع وتيرته، بما يواكب التحديات والمتغيرات العالمية ويعزز فرص الاستثمار في التقنيات الواعدة. وتكتسب القمة أهمية عالمية متزايدة كمنصة استراتيجية لصياغة الرؤى والاستراتيجيات، وتوجيه مسار الاقتصاد الأخضر على الصعيد الدولي، ودفع العمل المناخي بما ينعكس إيجاباً على المجتمعات والاقتصادات حول العالم، ويسهم في ترسيخ مكانة دبي ودولة الإمارات في طليعة الجهود الدولية لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة لأجيالنا الحالية والقادمة.”
السياسات والتشريعات: دعامة التحول المستدام
يبحث محور السياسات والتشريعات في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025، التحولات الديناميكية في سياسات المناخ، وتأثير الأولويات المختلفة مثل أمن الطاقة، والسياسات الصناعية، والقدرات التنافسية العالمية، على عملية صنع القرار، لا سيما في الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ورغم التحديات، يبرز التزام عالمي بالتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث سجلت الاستثمارات العالمية في تحول الطاقة منخفضة الكربون نمواً بنسبة 11% لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 2.1 تريليون دولار أمريكي في عام 2024، مدفوعة بشكل رئيسي بقطاعات النقل الكهربائي والطاقة المتجددة وشبكات الكهرباء، غير أن التقديرات تشير إلى أن مستويات الاستثمار الحالية لا تمثل سوى 37% من المطلوب لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050، ما يستدعي استثمارات سنوية بقيمة 5.6 تريليون دولار أمريكي من 2025 إلى 2030. كما يُبرز تحليل الاستثمارات تفاوتاً، حيث استحوذت التقنيات الناضجة على 1.93 تريليون دولار، بينما بلغت الاستثمارات في التقنيات الناشئة مثل الهيدروجين واحتجاز الكربون 155 مليار دولار فقط، هذا الواقع يؤكد أهمية صياغة سياسات داعمة وموجهة لمعالجة الفجوات الاستثمارية وتسريع نضوج التقنيات الواعدة.
ستسلط النقاشات خلال القمة الضوء كذلك على التوسع المتزايد في أسواق الكربون العالمية وتأثيرها المباشر على التجارة والصناعة. ففي عام 2024، بلغت إيرادات تسعير الكربون العالمية رقماً قياسياً بلغ 117 مليار دولار أمريكي، بينما وصلت القيمة الإجمالية لأسواق الامتثال للكربون إلى 1.169 تريليون دولار أمريكي في نفس العام. ومع وصول عدد أدوات تسعير الكربون الفعالة عالمياً إلى 75، باتت هذه الأدوات تغطي نحو 24% من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، هذا التوسع يفتح آفاقاً جديدة للتمويل المناخي ولكنه يفرض أيضاً تحديات تنافسية، مما يستدعي آليات دعم وتكيف.
ستركز جلسات القمة كذلك على مواءمة السياسات الوطنية مع الأهداف العالمية، وأهمية مشاركة القطاع الخاص، وإصلاحات الحوكمة الضرورية لضمان الشفافية والفعالية. يهدف هذا التركيز إلى تقييم مستقبل سياسات المناخ في قدرتها على دفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام، والتحول نحو اقتصاد عالمي منخفض الكربون وعادل للجميع.
وقال نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية وأحد المتحدثين في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “يمثل تحقيق الحياد الكربوني أمراً ضرورياً لمكافحة التغير المناخي الذي يؤثر بشكل كبير على المنطقة العربية. وتتطلب مواجهة التغير المناخي إحداث تحول جذري ينأى بنا عن استخراج الوقود الأحفوري واستهلاكه. وقد دأبت الدول العربية الرائدة في إنتاج النفط على تنويع اقتصاداتها، وشمل ذلك استثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة استخدامها، إلى جانب السعي نحو تبني الابتكارات التكنولوجية من أجل تحقيق استخدام أنظف للوقود الأحفوري. وتمثل استضافة القمة العالمية للاقتصاد الأخضر في دبي تجسيداً لهذا الالتزام الصادق. يرتكز الاقتصاد الأخضر على الإدارة السليمة للموارد، بما يراعي قدرة الطبيعة على التجدد. قد يتيح تحدي الطبيعة فرصةً لكسب الوقت، لكنه لا ينقذ البيئة ولا يعالج التحديات المناخية طويلة الأمد.”
من ناحيتها، قالت نائلة فاروق، الرئيسة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة، وإحدى المتحدثات في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “تتطلب أزمة المناخ حلولاً إقليمية. ويعمل ملتقى المؤسسات العربية الداعمة من خلال التزام العمل الخيري العربي الأول من أجل المناخ على جمع المؤسسات والمجتمع المدني والجهات الفاعلة من القطاعين الحكومي والخاص لصياغة استجابة موحدة تركز على الواقع المحلي والاستدامة طويلة الأمد، مما يمكِّن العمل الخيري في المنطقة العربية من الوفاء بمسؤوليته في دعم الأفكار الجريئة والمجتمعات المحلية الأكثر تضرراً، والحلول طويلة الأمد المبنية على العدالة والرعاية.”
بدورها، قالت شيخة محمد شريف، متخصصة في قطاع الطاقة في مصدر، وإحدى المتحدثات في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “يكمن مستقبل مؤتمر الأطراف في تبني ذهنية تركز على التنفيذ وتحقيق النتائج وتتجاوز حدود التعهدات. ومن أجل المضي قدماً لتحقيق الأهداف المناخية العالمية، يتوجب علينا ضمان استجابة العمل المناخي للواقع الاجتماعي والاقتصادي، ودعمه للتحولات الشاملة، وارتكازه على التعاون الدولي. بهذه الطريقة، يمكننا أن ننتقل من الالتزام إلى التأثير.”
وقالت إنجي جبر، المديرة الإدارية لشركة “كلايمتايز” وإحدى المتحدثات في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “لم تعد السياسات المتعلقة بالمناخ تتطور بمعزل عن السياسات الأخرى، بل باتت تتشكل من خلال تفاعلٍ معقد تنخرط فيه مجموعة من الأولويات، ابتداءً من أمن الطاقة ووصولاً إلى المرونة الاقتصادية والنمو الصناعي. وفي حين تعيد الحكومات رسم استراتيجياتها، يتوجب على الشركات في الوقت ذاته أن تحافظ على رشاقتها ومشاركتها لضمان امتثالها، ليس هذا فحسب وإنما أيضاً لضمان تصدّر المشهد الذي يزداد فيه الترابط بين الاستدامة والتنافسية.”
من جهته، قال كريغ بريستون، الرئيس التنفيذي لـ “Ducis“ بالتعاون مع أكاديمية ساندهيرست تراست، وأحد المتحدثين في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “يتطلب التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء تغييراً جذرياً سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً. لا يمكننا أن نحقق تغييراً ملموساً دون قيادة حكيمة، وعلينا استكشاف أمثلة على نجاح القيادة في إحداث التغيير، والأهم من ذلك، فهم أسبابه. كما يمكننا استخلاص دروس مهمة من أخطاء التغيير في الماضي، وإعداد أنفسنا، بوصفنا قادة، لضمان نجاحنا في قيادة الجهود لضمان مستقبل مختلف تماماً.”
وقال أديتيا ساراسوات، مدير الأبحاث في شركة ريستاد إنرجي، وأحد المتحدثين في القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2025: “على الرغم من العقبات التي واجهها الهيدروجين الأخضر، إلا أنه مازال يمتلك إمكانيات كبيرة عند توفر الظروف المناسبة. تضمن مصادر الطاقة المتجددة والغاز إمدادات طاقة مستقرة، لكن الهيدروجين الأخضر والأمونيا لن يتقدما إلا عندما يتوافق دعم السياسات مع الطلب المحلي والواردات التنافسية، إذ يمكن لهذا التوافق في قطاعات مثل الصلب والشحن والملاحة الجوية أن يحول الوعود المبكرة إلى زخم ملموس. ويُظهر المزاد الأخير للأمونيا الخضراء في الهند أن التقدم ممكن عندما تقف السياسات والشراكات والكفاءات في صف واحد لدعم الطموح.”
رؤية موحدة للتحول المستدام
تمثل القمة العالمية للاقتصاد الأخضر فضاءً حيوياً لمناقشة السياسات والتشريعات المؤثرة في مستقبل الطاقة والعمل المناخي، وتوحيد الرؤى حول كيفية بناء أنظمة تشريعية وتمويلية أكثر توازناً وشمولاً. ومن خلال هذا الحوار العالمي، تسعى القمة إلى تعزيز نهج تكاملي يعزز العدالة المناخية، ويدفع باتجاه منظومة اقتصادية منخفضة الكربون قائمة على الابتكار والاستثمار الأخضر والشراكات العالمية الفاعلة.