في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد (COVID-19) العالمية، والمخاوف المصاحبة لها، وكذلك الاضرار الصحية والنفسية والاقتصادية، إلا أنه هنالك نصف مُمتلئ من الكأس تحتفل به الأوساط البيئية. فقد أظهرت بعض الدراسات التأثير الإيجابي الكبير على الناحية البيئية حيث انخفضت نسبة التلوث في الجو مما أحدث تأثيراً إيجابياً على ثقب الأوزون، وهذا ما سنقوم بتناوله في هذا المقال.
ولكن قبل أن نذكر الأثر المستحدث، سنعود الى الوراء قليلاً لنتعرف على ثقب الأوزون وسبب تشكله.
فهرس
ما هو ثقب الأوزون؟
يُعرّف الأوزون بأنه غاز مكون من ثلاث ذرات اوكسجين مترابطة مع بعضها البعض. ويوجد الأوزون في الطبقة الثانية من طبقات الغلاف الجوي، المعروفة باسم طبقة الستراتوسفيري، وتكمن وظيفته في حماية الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة جداً بالكائنات الحية .
لاحظ العلماء في عام 1985 انخفاض تركيز غاز الأوزون واضمحلاله فوق القطب الجنوبي للأرض، حيث أطلقَ العلماء على هذا الإضمحلال والتركيز القليل لغاز الأوزون إسم “ثقب الأوزون”. إن ثقب الأوزون ليس بثقب فعلي، ويرجع سبب ظهوره لإستخدام مركبات صناعية كالكلوروفلوروكربون، الهيدروكلوروفلوروكربون، هيدروبرموفلوروكربون، وغيرها من المركبات في العديد من الصناعات. ويؤدي انبعاث هذه المركبات الصناعية في الجو الى ارتباط ذرات الكلور والفلور مع إحدى ذرات الأوكسجين الثلاثة في جزيئ الأوزون مما يؤدي الى تفككه. إن هذا التفكك يؤدي إلى ارتفاع كمية الأشعة الفوق البنفسجية الضارة الداخلة من الغلاف الجوي والواصلة إلى سطح الأرض.
التصدي لمشكلة توسع ثقب الأوزون
في عام 1987، تم عقد تحالف مونتريال والاتفاق على التخلص تدريجياً من استخدام هذه المركبات في الصناعات من أجل حماية كوكب الأرض. وقدّر العلماء بأن ثقب الأوزون يحتاج حوالي 40-70 سنة تقريباً ليتعافى كلياً، وظهرت بوادر هذا التعافي فعلياً في عام 2000. وفي عام 2019 كان ثقب الأوزون أصغر ما يكون مُنذُ 37 عاماً كما هو واضح من خلال الصورة رقم 1 التي أظهرتها أقمار ناسا الصناعية:
علاقة فيروس كورونا بثقب الأوزون
مُنذ اكتشاف فيروس كورونا «Corona»، أو «COVID-19» كما يحلو للغرب تسميته، وبدء إنتشاره في مطلع العام الحالي، قامت معظم الدول بفرض اجراءات حظر التجول، والتعطيل الإلزامي لأغلب القطاعات الصناعية والتجارية. وبالنتيجة، لوحظ بأن السحب الدخانية التي يمكن مشاهدتها بواسطة الأقمار الصناعية بوضوح عادة كانت قد اختفت تماماً وانخفضت كثافة غاز ثاني أوكسيد النيتروجين بشكل ملحوظ .
ونرى في الصورة رقم 2 الاختلاف الواضح في الغلاف الجوي فوق الصين ماقبل فترة الحظر التي تبعت إنتشار كورونا وبعدها. ويبدو واضحاً تراجع السحابات الدخانية المشبعة بغاز ثنائي أوكسيد النيتروجين الناتجة عن المصانع واحتراق الوقود.
أما في إيطاليا فقد انتعشت الحياة البحرية وبدأت الأسماك بالطفو قريباً من السطح لوفرة الأوكسجين، وأصبح الماء شفافاً خالٍ من أي شوائب. كما أظهرت الصور الجوية انخفاضاً كبيراً في تلوث الهواء بغازات الميثان، الكربون وأوكسيد النيتروجين، خصوصاً في شمال ايطاليا كما هو موضح في الصورة رقم 3.
علاقة التلوث بثقب الأوزون
بدأ ثقب الأوزون بالتعافي التدريجي منذ بداية أزمة فيروس كورونا العالمية، وفي نفس الوقت فإن نسب التلوث العالمي الناتج عن احتراق الوقود والغازات الضارة التي تسبب الاحتباس الحراري قد انخفضت أيضاً. فهل من علاقة مباشرة ما بين التلوث وثقب الأوزون؟
في الواقع نعم. إن عملية تضاؤل ثقب الأوزون تؤدي إلى سحب التيار النفاث نحو القطب الشمالي. وفي نفس الوقت، يقوم التلوث بالأكاسيد في الجو بسحب التيار النفاث نحو القطب الجنوبي. إن هاتين العمليتين المتعاكستين تقومان بما يشبه عملية شد الحبل بينهما كما تصفها أنتارا بانحري الزميل الزائر للمعهد التعاوني لأبحاث علوم البيئة (CIRES) في جامعة كولورادو بولدر الامريكية والتي تعمل أيضاً في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي(NOAA).
إذاً فإن انخفاض نسبة التلوث تؤدي الى تسريع عملية شفاء الأوزون، ولهذا ما قد نراه كأزمة صحية وبشرية واقتصادية قد يكون هو طريقة الأرض في شفاء نفسها والتعافي بشكل أسرع بعيداً عن الضرر الذي يسببه لها الانسان.
نتمنى لكم يوما مشمساً!
المراجع
1. NASA
2. ESA