ما هي المدينة الذكية؟
المدينة الذكية منطقةٌ حضرية تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين كفاءة عملياتها التشغيلية، كذلك رفع جودة الخدمات لزيادة مستوى رفاهيتها. إنها تلبي في الوقت نفسه احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية والثقافية.
قد تتعدد التعريفات الخاصة بالمدن الذكية، إلا أن الهدف الأشمل لها يتمثل في حل المشكلات الحضرية ودفع النمو الاقتصادي، وذلك باستخدام التكنولوجيا المناسبة وتحليل البيانات. كما ويتم تطبيق مفهوم المدن الذكية من خلال التركيز على ثلاث ركائز وهي: الاقتصاد، الابتكار، البنية التحتية والحوكمة.
تطوّر مفهوم المدن الذكية عبر التاريخ
بدأ مفهوم المدينة الذكية بالظهور منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما قامت بلدية لوس أنجلوس بإنشاء أول مشروعٍ حضريٍ لتحليل البيانات باسم «تحليل التجمعات السكنية في لوس أنجلوس ». بعدها قامت مدينة أمستردام عام 1994 بإنشاء مدينةٍ رقميةٍ افتراضية معتمدةٍ على وسائل الاتصالات في ذلك الحين. ثم وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت شركتي «IBM» و«Cisco» بإطلاق مبادراتٍ منفصلة تهدف إلى تطوير التقنيات المستخدمة في المدن الذكية.
أما في عام 2011، فقد عُقد المؤتمر الافتتاحي الأول لمعرض المدن الذكية «Smart City Expo World Congress» في برشلونة. ليصبح حدثاً عالميّاً يعقد كل سنة، راسماً تطوراتٍ مستمرة في المفاهيم المتعلقة بالمدن الذكية.
تكنولوجيا المدن الذكية
تستخدم المدن الذكية أدوات التواصل والاتصال كأساسٍ لتحقيق أهدافها الشمولية وتقديم الحلول الخدمية للسكان. ومن هنا تبرز أهمية استخدام تقنيات شبكات الاتصالات وواجهات المستخدم إلى جانب إنترنت الأشياء «IoT». وهي تقنيةٌ تربط كافة الأجهزة مع بعضها لتتبادل البيانات، ابتداءً من الأجهزة الكهربائية في المنازل وحتى مصابيح الإنارة في الشوارع. ومن ثمّ يتم تخزين البيانات على الخوادم أو على السحابة الحاسوبية من أجل تسريع تبادلها، لتحسين كفاءة الخدمات المقدمة من كافة القطاعات العامة والخاصة، مما ينعكس على النمو الاقتصادي في تلك المدينة.
ومع الثورة الصناعية الرابعة وما جلبته من تقنياتٍ وتطوراتٍ متسارعة، يمكن استخدام عددٍ من التقنيات لتحسين خدمات المدن الذكية، ومنها:
- تقنيات الواجهات البرمجية «API»
- الذكاء الاصطناعي «AI»
- خدمات الحوسبة السحابية «Cloud Computing Services»
- لغة الآلة
- تواصل الآلة مع الآلة «M2M»
ملامح المدن الذكية
تتسم جميع المدن الذكية بعددٍ من المزايا المشتركة، ومنها:
الحوكمة الذكية «Smart Governance»
تتم عبر تسهيل التواصل بين مزودي الخدمات ومتلقّيها، أي بين الحكومة والمواطنين، وذلك لتحقيق الشفافية والنزاهة والتحقق من المساءلة الحكومية. وذلك من خلال تقديم الحكومة خدماتها عبر الإنترنت باستخدام الهواتف المحمولة، إلى جانب تشكيل مجموعاتٍ إلكترونيةٍ لتلقّي الملاحظات من المواطنين.
البُنية التحتية الذكية «Smart Infrastructure»
تعرّف الأكاديمية الملكية للهندسة في المملكة المتحدة البُنية التحتية الذكية بأنها أنظمةٌ ذكيةٌ تستخدم حلقات التغذية الراجعة لتحسين عملية اتخاذ القرار بشأن مسألةٍ ما، ومن ثم مراقبة البيانات التي تجمعها أجهزة الاستشعار وقياسها وتحليلها والتواصل معها والعمل عليها اعتماداً على مخرجاتها. ومن تطبيقاتها، أنظمة إدارة خدمات مشاركة وسائل النقل كالتطبيقات الهاتفية المعززة لمبادئ الاقتصاد التشاركي. إلى جانب أنظمة إدارة الازدحام المروري من خلال مراقبة الحركة المرورية وتحسين عمل إشارات المرور.
التنقل الذكي «Smart Mobility»
يعد التنقل أحد المؤشرات الحضرية لأي مدينة، كما ويشكل ركيزةً أساسيّةً في تخطيط المدن الذكية. فقد ساهم ما يسمّى بمفهوم إدارة الطلب على النقل «Transportation Demand Management»، وظهور أنماط اقتصادية جديدة كمفهوم الاقتصاد التشاركي «Sharing Economy» و ظهور تطبيقات الهواتف المحمولة المقدمة لخدمات التنقل السريع إلى ظهور مفهوم التنقل الذكي واعتباره مقوّماً من مقومات المدن الذكية.
وكما ذكرنا فيما يتعلق بتقنية إنترنت الأشياء وربطها للأجهزة، فإنها تمكّن المركبات من التواصل ونقل البيانات، عبر عدة نماذج محتملة:
- ربط المركبة مع البنية التحتية «Vehicle-to-infrastructure»: وهي استراتيجيةٌ تربط المركبة بالبُنية التحتية لحركة المرور، وبالتالي يمكن معرفة وضع حركة المرور وإمكانية وجود أية أخطار أو ازدحاماتٍ محتملة في الشوارع.
- ربط المركبة مع المركبة «Vehicle-to-vehicle»: يعمل هذا النموذج على ربط المركبات فيما بينها وتبادل المعلومات المتعلقة باحتمالية وقوع أية تصادمات أو حدوث تزاحمات بين المركبات.
- ربط المركبة مع السحابة الحاسوبية «Vehicle-to-the-cloud»: يمكّن هذا النموذج المركبة من التنبؤ بحركة المرور ومعرفة الطرق البديلة لمحطات الوقود أو أماكن البيع.
- ربط المركبة مع المشاة «Vehicle-to-pedestrian»: يمكّن هذا النموذج من ربط المركبات مع المشاة عبر هواتفهم الذكية. ما يوفر خياراتٍ أخرى للتنقل ورفع مستوى الأمان والسلامة للمشاة.
- ربط المركبة مع كل شيء «Vehicle-to-everything»: نموذج يتم العمل عليه ومن المتوقع أن تتمكن المركبات في المستقبل القريب من التواصل مع البنية التحتية، والمركبات الأخرى، والسحب الحاسوبية والمشاة عبر نموذج اتصالٍ شامل.
الطاقة والبيئة الذكية «Smart Energy»
يتعلق مفهوم الطاقة الذكية بمفهوم الإدارة المثلى لموارد الطاقة في المدينة، والمتمثلة باستخدام أنظمة إدارة الطاقة في المباني. إضافة إلى تطوير الشبكات الذكية «Smart Grids»، والتي ستعمل على تحقيق التوازن بين التوليد والطلب على الطاقة. ومساهمتها في إشراك المواطنين في عمليات اتخاذ القرار وتحويلهم مما يسمّى بالمستخدم المستهلك إلى المستهلك المنتج «Prosumer» وهو المستخدم القادر على استهلاك وإنتاج الطاقة وبيع فائض الطاقة المنتجة إلى غيره من المستخدمين. كما ويساهم بناء الشبكات الصغيرة «Microgrids» في تخفيف الضغط على الشبكات الكهربائية المركزية خاصةً في أوقات الذروة. كما أن المدينة الذكية تتميز بانخفاض انبعاثاتها الكربونية، حيث الأبنية الخضراء والمرافق الموفرة للطاقة.
الأبنية الذكية «Smart Buildings»
تعتبر الأبنية الذكية نقطة البداية لأي مدينةٍ ذكية، إذ يمكن اعتبار المبنى الذكي الوحدة الوظيفية للمدينة. تقوم المباني الذكية بتوظيف حلول التكنولوجيا وإنترنت الأشياء لحل المشكلات المتعلقة بإدارة المباني ذات الصلة بالطاقة والإضاءة والمياه وخدمات الطوارئ والأمن. كما وتسهم في جلب العديد من الفوائد الاقتصادية بسبب قدرتها على التنبؤ بالأعطال المحتمل وقوعها في المبنى، إذ تمتلك أنظمة مراقبة وتقييم مؤتمتة. كما وتمتاز بأنظمة إدارة طاقةٍ فعالة من خلال وحدات تحكمٍ بوظائف المبنى كالتدفئة والتبريد والإنارة وإزالة النفايات. ومع ذلك، وجود مستوى أمانٍ عالٍ، فعندما تتصل عدة مباني مع بعضها البعض عبر تقنية إنترنت الأشياء، فإنه يمكن لمدرائها دمج أنظمة الحريق والتطفل والوصول لأعلى درجة ممكنة من السلامة للسكان.
علاوةً على ذلك، تتعدد ملامح وسمات المدن الذكية لتشمل الصحة الذكية، التعليم الذكي، الاقتصاد الذكي والعيش الذكي. آخذةً من اسمها الشيء الكثير.
الاستدامة في المدن الذكية
تعتبر المدن الذكية مدناً مستدامة لقدرتها على تلبية الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية للأجيال الحالية والقادمة وهو ما يتوافق وتعريف الاستدامة.
مدن ذكية حول العالم
مدينة مصدر «Masdar City»
تعد مدينة مصدر والتي تأسست عام 2006 في أبوظبي مدينة ذكية، إذ تشمل الخطة الحضرية للمدينة ما يأتي:
- توفير حياة ذات جودة عالية ضمن منظومة بيئية ذكية.
- توفير وتطوير مرافق عامة لحياةٍ اجتماعيةٍ وسعيدة، مع الاهتمام بالمشاة ووسائل المواصلات المتوازنة.
- الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، إلى جانب إدارة موارد الطاقة بكفاءة في المدينة.
- تعد من أوائل المدن المستدامة في الشرق الأوسط التي تتبنى مفهوم البصمة الخضراء.
- تتمتع بتصميم معماري متناغم بين فنون العمارة العربية التقليدية والتكنولوجيا العصرية، ما يحافظ على هوية المدينة ويعزز ممارسات الاستدامة المجتمعية في المدينة.
سنغافورة
تعد سنغافور العاصمة إحدى أشهر المدن الذكية حول العالم، وكونها مقياساً على التنمية الحضرية الحديثة القائمة على مبادئ الاستدامة والابتكار. كما وكانت من أوائل مدن العالم التي تحصل على لقب «Smart Nation». تقع المدينة التي تعتبر اليوم مثالاً على المدينة الموفرة للعيش الذكي على مساحة 721 كم مربع، حيث تعمل على توفير أنظمة التحكم في حركة المرور، وفي الوقت نفسه، إجراء نماذج لتحليل البيانات وبناء والمراكز المتخصصة في كل شيء بدءً من الصحة إلى التجارة الرقمية.
تابعونا على لينكيد إن Linked-in لمعرفة كل جديد في مجال الطاقة المتجددة…
نتمنى لكم يوماً مشمساً!